أمير طاهري
يذكرني حال سوريا في هذه الأيام بيتيم يحيط به أعداء حقيقيون وأصدقاء مزيفون، يشكلون معًا ناديًا للساخرين، ويحاولون السيطرة على مقدراته.
ولنراجع فحسب الأمثلة التالية:
> الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يصر على إشراف الرئيس بشار الأسد على أي اتفاق «انتقالي» يتم التوصل إليه، حتى لو كان ذلك يعني العودة إلى المربع رقم واحد. بوتين يسعى إلى تأمين مزيد من الوقت ليتمكن من بناء قواعده العسكرية على الساحل السوري، ومن ثم إجبار أي حكومة مستقبلية في دمشق على القبول بها كأمر واقع.
> وزير الخارجية البريطاني فيليب هاموند يقترح بقاء الأسد في السلطة 6 أشهر أخرى، إذ ربما تحدث خلالها معجزة ما تتمخض عن سبيل لإقرار السلام في سوريا. هذا الاقتراح يهدف إلى مدارة سوأة لندن، وخلق انطباع بأن هاموند وزملاءه «يفعلون شيئًا» حيال سوريا.
> الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند يريد رحيل الأسد على الفور تقريبًا، لكنه يرفض اتخاذ أي إجراء ضد نظامه. سمها مظهرية إذا شئت، لكن هولاند يبدو أكثر اهتمامًا بتقديم نفسه في صورة الزعيم القوي من القيام بأي شيء من أجل سوريا.
> وزير الخارجية البريطاني الأسبق لورد أوين اقترح وضع سوريا تحت انتداب الأردن بدعم من الأمم المتحدة. ولا يفصح اللورد المبجل عن السبيل إلى تحقيق ذلك في خضم حرب مستعرة مزقت سوريا إلى 5 مناطق على الأقل. كما أنه غير مهتم بأمور من قبيل قدرة الأردن على لعب دور يتجاوز موارده.
> إدارة أوباما تتحاشى التعامل المباشر مع القضية، كما كانت تفعل مع جميع القضايا الأخرى، لا سيما البرنامج النووي الإيراني، على مدار السنوات السبع الماضية. أحدث مقترحاتها المظهرية يتحدث عن إنشاء قوة خاصة مؤلفة من «قوى إقليمية» لم تحددها من أجل استعادة السلام في سوريا. لكن الخبر السار هو أن نائب الرئيس الأميركي جو بايدن لا يدعو إلى تقسيم سوريا إلى عدة دويلات كما ينادي دائمًا في العراق.
> وفي طهران، صرح علي أكبر ولايتي، مستشار المرشد الأعلى، بأن رئيسه علي خامنئي قرر أن الأسد لا بد أن يبقى في السلطة. وبما أن ما يقوله خامنئي، سواء كان في العقيدة الدينية أو النقد السينمائي، يعتبر «فصل الخطاب»، فلا فائدة من طرح أسئلة من قبيل: «ماذا لو كان السوريون لا يريدون الأسد؟».
> اليتيم السوري له فوائد أخرى لأطراف أخرى. وتقول المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل إن الألمان مستعدون لاستقبال نحو مليون لاجئ سوري بدافع من طيبة قلوبهم. لكن نائب المستشارة سيغمار غابرييل كشف السر عندما لمح إلى أن مليون سوري، ينتمي كثير منهم إلى الطبقة الوسطى ويمتلكون تعليمًا جيدًا، يستطيعون فعل الأعاجيب بالمنحنى الديموغرافي المتداعي في ألمانيا.
> رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان يستخدم اللاجئين السوريين كفزاعة لإثارة المشاعر الشيفونية والمعادية للأجانب وتصفية حساباته مع الاتحاد الأوروبي الذي لطالما نظر إليه بعين الشك والريبة.
> كما ساعدت قضية اللاجئين السوريين الطائفيين من كل المشارب على الخروج من الشقوق. ويحاول اليونانيون والبلغار، الذين لطالما أساءوا معاملة أقلياتهم المسلمة، تصوير المأساة الحالية على أنها غزو إسلامي مستتر لأوروبا، رغم أن السوريين يفرون من الخلافة الإسلامية من ناحية، ومن عصابة الأسد المدعومة من ملالي طهران من الناحية الأخرى. وفي سلوفاكيا وبولندا، يطالب الناس علانية بالسماح للمسيحيين السوريين فقط بدخول البلاد، رغم أن العالم بأسره يعلم أن جميع الطوائف السورية عانت وتعاني من المأساة الحالية.
> خلاصة كل ذلك هو أن ما يسمى تنظيم «داعش» أصبح الخيار الثاني للجميع. الولايات المتحدة وحلفاؤها القليلون المتبقون يحجمون عن مهاجمة «داعش» على نحو فعال لأن سحقه ربما يقوي شوكة الأسد.
> وكشف عراقيون هذا الأسبوع أن واشنطن طلبت، فعليًا، من بغداد تعليق هجوم على «داعش» في الرمادي في الوقت الراهن. كما أن الأسد وداعميه من الروس والإيرانيين لا يهاجمون «داعش» أيضًا لأنهم يرون في «الخليفة» حليفًا موضوعيًا ضد قوى المعارضة السورية الأخرى.
> الرئيس التركي رجب طيب إردوغان، من جانبه، يحتاج إلى «داعش» كستار من الدخان يهاجم من خلفه قواعد حزب العمال الكردستاني في سوريا على أمل تدميرها. إردوغان يمكنه بسهولة إغلاق خطوط الإمداد اللوجيستي لـ«داعش» عبر الحدود التركية، لكنه لا يفعل. ويرهن تصرفه بموافقة دول الناتو، بقيادة الولايات المتحدة، على ضرب الأسد أيضًا، الأمر الذي لا تفعله هذه الدول.
> حزب العمال الكردستاني بدوره وحلفاؤه من الأكراد السوريين مترددون في موقفهم إزاء «داعش». هم جاهزون لقتاله في حال هدد المناطق الكردية، لكنهم غير مستعدين لضربه في عقر داره. ورغم كل شيء يظل «داعش» ذريعة للحزب وحلفائه المحليين لطلب المزيد من المال والسلاح من القوى الغربية، بينما يقتطعون مناطق خاضعة لسيطرة بغداد.
> الحكومة العراقية أيضًا مترددة في مواجهة «داعش» على نحو جاد. هذه الخطوة من شأنها إغضاب طهران التي، كما سبق أن ذكرنا، لا تريد أن تكسب قوى المعارضة السورية غير الداعشية أرضًا في ميدان المعركة.
> بعض الدول العربية تعتبر «داعش» أخف الأضرار مقارنة بسوريا يحكمها ائتلاف بقيادة جماعة الإخوان المسلمين التي يعتبرونها عدوهم رقم واحد.
> جوهر المأساة السورية يكمن في حقيقة أن الأسد و«داعش» هما وجهان لعملة واحدة. كلاهما يريد استبعاد الشعب السوري، أو ما تبقى منه داخل البلاد، من المعادلة. وكلاهما لديه قاعدة شعبية يمكنه الاستناد إليها لفترة إضافية من الوقت حتى لو لم يحصل على المدد من الخارج والذي يأتيه بانتظام. في الوقت نفسه، لا يمتلك أي من الطرفين القوة الكافية، أو ينتظر منه أن يحوز قاعدة شعبية، تخوله فرض أجندته على سوريا.
> أخيرًا، وفي ضوء أن «داعش» أصبح يمثل الخيار الثاني للجميع، يبدو أن اليتيم السوري بات محكومًا عليه بأن يراوح مكانه في وضع يسميه الأتراك بـ«آهمز»، وتعني «لا مخرج».