التحديث في الشرق الأوسط مشهد جدير بالملاحظة
مسؤول جمهوري كبير يعتبر أن سياسة بايدن "المتهوّرة" في أفغانستان تؤدّي إلى "كارثة هائلة ومتوقّعة ويمكن تفاديها" مسؤول عسكري أميركي يتوقع أن تعزل حركة طالبان كابول خلال 30 يوماً وإمكانية السيطرة عليها خلال 90 يوماً ارتفاع حصلية ضحايا حرائق الغابات في الجزائر إلى 65 بينهم 28 عسكريًّا مئات من عناصر قوات الأمن الأفغانية استسلموا لطالبان قرب قندوز وصول وزير الخارجية الإسرائيلي يائير لابيد إلى المغرب وزير الداخلية الجزائري يؤكد أن الدولة ستتكفل بأضرار الحرائق وأولويتنا حماية المواطنين محافظ الغابات لولاية تيزي وزو في الجزائر يؤكد أن الحرائق التي اندلعت سببها عمل إجرامي وزير الداخلية الجزائري يعلن عن اندلاع 50 حريقا في نفس التوقيت من المستحيلات وسنباشر التحقيقات وزارة الدفاع الجزائرية تعلن عن وفاة 18 عسكريا خلال عملية إخماد الحرائق التي اندلعت بولايتي تيزي وزو وبجاية الحكومة الجزائرية تعلن ارتفاع عدد ضحايا حرائق الغابات إلى 42 شخصا بينهم 25 عسكريا
أخر الأخبار

التحديث في الشرق الأوسط... مشهد جدير بالملاحظة

التحديث في الشرق الأوسط... مشهد جدير بالملاحظة

 الجزائر اليوم -

التحديث في الشرق الأوسط مشهد جدير بالملاحظة

بقلم : أمير طاهري

في كل عصر من العصور، يصوغ المثقفون ويتعلقون بمفهوم واحد باعتباره الأكثر إفادة في فهم الحاضر والتكهُّن بشأن المستقبل. ومنذ نهاية أربعينات القرن الماضي، أي مع انزواء الحقبة الاستعمارية إلى غياهب التاريخ، كان المفهوم السائد وقتذاك يتمحور حول «التحديث» ومتغيراته المتنوعة، مثل «التنمية» و«التقدم».

ولكن نواة التحديث الأساسية ظلت عصيّة على الفهم والاستيضاح. ولا حتى النموذج الذي يجدر بالدول محاكاته والتماهي معه في معرض سعيها الحثيث لتحقيق طموحات التقدم والتنمية.

وفي عقد السبعينات من القرن الماضي، كانت العاصمة الإيرانية طهران من الوجهات المفضلة لدعاة ومثقفي التحديث من مختلف أرجاء العالم، والراغبين في وضع أفكارهم وطروحاتهم محل الاختبار في البلاد التي تحظى بذلك القدر الوافر من التميُّز النادر، إذ لم ترزح تحت نير الاستعمار كما لم تنتهج سياساته القميئة من قبل، ورغم ذلك، اعتمد قادة البلاد آيديولوجيات التحديث بقدر غير قليل من العزم والحماس.

وبالنسبة لصحافي مثلي، كان وصول أسماء لامعة مثل غونار ميردال، ودبليو دبليو روستو، وجي كيه غالبريث، وريموند ارون، وهنري ليفبفر، وكارلو شميدت، وتالكوت بارسونز، وديفيد أبتر، يبدو كمثل تجوال طفل وحيد في متجر كبير للحلوى من دون منازع أو شريك.

وأتيحت لي الفرصة النادرة لقضاء وقت ممتع للغاية مع أغلب هؤلاء الزوار المرموقين من خلال المقابلات الرسمية الرصينة أو المحادثات غير الرسمية الودية.

وكانت رسالتهم الأكيدة: «عجلوا... عجلوا بالتحديث»!

وعولجت تيمة التحديث عبر العديد من المناقشات التلفزيونية المتنوعة في طهران، إذ ناقش المثقفون الذين كانوا معروفين على نطاق واسع في إيران وقتذاك، مختلف السبل وأنجعها لدخول منطقة الشرق الأوسط إلى مضمار العالم الحديث.

وما لم نكن نعرفه في ذلك الوقت كان المدى الذي بلغته مجتمعاتنا الشرقية من الحداثة، عبر تبني واعتماد بعض من أكثر جوانب نماذج الحداثة الغربية إثارة للجدل.

فالتقاليد، التي حددت بوصلة التوجهات الأخلاقية لقرون عدة، صارت الآن كمثل الترهات البالية، إن لم تكن من العلامات الأكيدة على التخلف والرجعية. والمؤسسات المجتمعية العريقة مثل القبائل، والعشائر، والطرق الصوفية، والتدرجات الهرمية الدينية، والشبكات العائلية، التي كانت كمثل القوة الموازية لسلطان الدولة القومية، بلغت حد التحلل والإضعاف لدرجة تمركزت معها سلطات الحكومة في أيدي حفنة من النخب الطبقية.

وكان «التغريب» هو المطمح الآكد وبأسرع وتيرة ووسيلة ممكنة، حتى وإن كان ذلك يعني انهيار الثقافة التقليدية الأصلية التي صارت الآن مطمورة أو متحللة ومغمورة. ولدى من رام أفضل ما في الثقافتين النموذج المثالي متجسداً في اليابان، الدولة التي كانت على موعد مع التغريب مع المحافظة الأصيلة على قيمها التقليدية ومؤسساتها الحقيقية.

وما تغافل عنه المتيمون باليابان كان الوسيلة التي انتهجتها في الدخول إلى العالم الحديث؛ فلقد تناسوا عامدين أن اليابان الحديثة المتطبعة بالغرب، التي نالت جُل إعجابهم، ولدت في أصل جحيم هيروشيما وناغازاكي، ورزحت تحت نير الاحتلال الأميركي، الذي لا يزال يهدهد حفنة من أطفالها المدللين بعد مرور عقود تلو العقود.

وإثر ذلك، فهم قد تجاهلوا أن التحديث على الطريقة اليابانية استلزم حالة من التعميد النيراني، التي قلما يرغب البعض فيها بعد لحظات من التروي والتدبر والتفكير.

والأمر الآخر الذي تجاهلوه عامدين أنه في منطقتنا العزيزة، الشرق الأوسط السعيد، شرعت آليات كثير من الدول في تحديث ذاتها بذاتها عبر تعزيز صلاحيات وسلطات الحكومات وصياغة أساليب جديدة من الحكم، والسيطرة، والقمع.

الأمر الذي أسفر عن إضفاء الطابع الغربي على شريحة من المجتمع التقليدي تلك التي تستلهم في الوقت الراهن الخطاب الغربي بالأساس في معرض كفاحها لمواجهة النظام السائد المعمول به.

وعلى سبيل المثال، يدين الخطاب الثوري للراحل آية الله الخميني بكثير من أطروحاته إلى ماركسية لينين وشيوعية ستالين بأكثر مما يقتفي آثار فلاسفة المسلمين، ويتلمس أخبار علماء الدين عبر مختلف الدهور.

ويعبر استيلاء الملالي على السلطة في إيران عام 1979 عن الوثبة الإيرانية الكبيرة نحو «التغريب»، إذ حملت الأحداث والفعاليات اسم «الثورة»، وهو المفهوم الغربي الذي لا نجد له ترجمة حرفية أكيدة في مفردات اللغة الفارسية الرصينة، (وكان لزاماً عليهم الرجوع إلى الاصطلاح المناخي «انقلاب»، الذي يعني الاضطراب، والذي يعبِّر العرب به عن «قلب نظام الحكم القائم»).

ثم نظم الملالي استفتاء شعبيّاً، وصاغوا دستوراً جديداً، وصمموا علماً وطنياً على النمط الغربي، ونظموا الميليشيات المسلحة على الطراز التروتسكي، وأقاموا دائرة مغلقة من الشخصيات المقربة حول الإمام الخميني على الشكل الستاليني المعروف في ذلك الوقت. وتألفت الأساليب التقليدية الوحيدة التي استخدموها من احتجاز الرهائن، ورجم النساء حتى الموت، والإعدام الجماعي للمعارضين الحقيقيين منهم والمتوهمين. ويعود نظام الحكم الذي نظموه بأصوله إلى وقائع رواية «1984» لجورج أورويل بأكثر مما يعود إلى أوهام «المدينة الفاضلة» للفارابي.
وبعد مرور نحو أربعين سنة، تبين أنهم يديرون منظمة تبدو كمثل عصابات الجريمة المنظمة أكثر من كونها حكومة إسلامية تقليدية، حتى إنها صارت أسوأ من حركة «سربداران» الثورية الشعبية بالعصور الوسطى إذا ما أردنا المقارنة.

ومع ذلك، يبدو أن النزعة «التحديثية» تنتشر وتكتسب المزيد من الزخم في مختلف ربوع منطقتنا العربية.

لاحت هذه الفكرة في مخيلتي تلك الليلة عندما كنت أتابع العديد من لقطات الفيديو المختلفة من سوريا والعراق، في عرض خاص أقيم في استوديو للبث التلفزيوني في لندن.

لقد رأيت الشرق الأوسط «الحديث» مع الجيوش الجرارة التي تزحف عبر السهول المحروقة والجنود المدججين بالسلاح والمرتزقة الشاهرين لمختلف أنواع الأسلحة، الذين تنطلق ألسنتهم وأفواههم باللعنات والسباب بمختلف اللغات، إلى جانب دوي المدافع والطائرات، وتلك اللوحة الفنية البديعة من المدرعات والدبابات والمركبات. رأيت مخيمات اللاجئين والمشردين تحوطها الأسلاك الشائكة، وتحرسها أبراج المراقبة، وتغذيها مكبرات الصوت التي تبث وتنشر مقتطفات من آخر أنباء «الحقيقة».

كانت هناك حقول الألغام، والأمهات الثكالى، والأطفال العراة، وضحايا قنابل الغاز والأسلحة الكيميائية. رأيت السماء التي تناثرت فيها المقاتلات والقاذفات تُسقِط لهيباً تلو اللهيب من القنابل والصواريخ على سوريا والعراق، وبأكثر مما تحملته ألمانيا النازية خلال الحرب العالمية الثانية. كان الحطام والأنقاض والأطلال يذكرنا ببرلين أو وارسو أو لينينغراد في عام 1945. بعبارة أخرى، أوجز وأحدث، كان المشهد العام «غربياً» بكل ما تحمله الكلمة من معنى. بدا الأمر وكأننا نرى أوروبا في عام 1918 أو في عام 1945، والفارق الواضح الوحيد أن الصورة أكثر بلاغة ووضوحاً بفضل قدرات الدمار المتفوقة التي صارت رهن إشارتنا الآن.

ذكرتني لقطات الفيديو السورية والعراقية بالأفلام الوثائقية التي أخرجها كل من بيلي وايلدر وراؤول والش عن أوروبا الغربية في أعقاب الحرب العالمية الثانية، ونشرة «باثي» الإخبارية عن اليابان فيما بعد كارثتي هيروشيما وناغازاكي المروعتين.

أجل أيها السادة، لقد بلغنا حد «التحديث» و«التغريب» منذ أمد بعيد، حتى من دون أن ندرك ذلك. لقد صارت إيران «حديثة» بعدما نظّم الخميني احتفالية إعدام أربعة آلاف مواطن دفعة واحدة في عطلة نهاية الأسبوع، الفكرة التي لم تراود مخيلة السفاح أغا محمد قاجار خان المتعطش للدماء. وأصبحت سوريا «حديثة» عندما تمكن حافظ الأسد من قتل عشرين ألف مواطن من بني شعبه في محافظة حماة، الجريمة التي لم يتصور أي خليفة أموي القيام بها. وتغنى صدام حسين بألحان «التحديث» الرخيمة عندما أباد بالغاز القاتل خمسة آلاف مواطن من أبناء بلاده في يوم واحد، الكابوس القميء الذي لم يبلغ أذهان هارون الرشيد في يوم من الأيام!

باتت نتائج أجيال من الأحلام، أحلام التحديث والتغريب، ماثلة أمام أعيننا اليوم، ونحمل أبلغ آيات الشكر والعرفان للتكنولوجيات الحديثة، التي أصبحت أبلغ من ألا تلاحظها الأعين وتعيها الأفئدة وتدركها الأفهام، حتى في أقصى أجزاء منطقتنا العربية بعداً. وكلنا، بمن فينا المفكرون والعوام، والأثرياء والفقراء، قد انشغلنا بتحديث مجتمعاتنا بأطلال الحطام الماجدة وجحافل اللاجئين الحاشدة. وكل ما تبقى لنا من الأصول والتقاليد البائدة لا يعدو نفض الأيدي عما وقع وملامة كل من عليه أعيننا تقع.

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

التحديث في الشرق الأوسط مشهد جدير بالملاحظة التحديث في الشرق الأوسط مشهد جدير بالملاحظة



GMT 19:57 2021 الجمعة ,13 آب / أغسطس

إيران وجناحاها التالفان

GMT 21:11 2021 الجمعة ,02 إبريل / نيسان

معضلة المراسل بين اليأس والافتراض

GMT 12:50 2021 السبت ,06 آذار/ مارس

على بايدن تجاهل اتفاق الدوحة مع «طالبان»

GMT 20:43 2021 السبت ,27 شباط / فبراير

منطقة «سندريلا» في حالة تمرد

GMT 03:46 2021 الجمعة ,19 شباط / فبراير

بازار الوساطة الإيرانية

GMT 00:16 2017 الأحد ,15 تشرين الأول / أكتوبر

صيحة جديدة من مكياج "المونوكروم" لموسم خريف 2017

GMT 17:51 2017 الخميس ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

اختيار تامر شلتوت سفيرًا للسلام في مهرجان ابن بطوطة الدولي

GMT 14:53 2018 السبت ,03 تشرين الثاني / نوفمبر

لاعب سلة الأهلي يواصل برنامجه التأهيلي في الفريق

GMT 11:36 2017 الخميس ,05 تشرين الأول / أكتوبر

إنفوغراف 20

GMT 21:44 2018 الخميس ,12 إبريل / نيسان

خطوات ترتيب المطبخ وتنظيمه بشكل أنيق

GMT 02:22 2017 الجمعة ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

مؤسسات لبنانية تستثمر في إنتاج 2.6 ميغاواط كهرباء من الشمس

GMT 09:16 2013 الجمعة ,18 كانون الثاني / يناير

الفراعنة أول من عرفوا السلم الموسيقي

GMT 08:31 2015 الثلاثاء ,13 تشرين الأول / أكتوبر

جامعة بيروجيا إحدى بوابات التعليم للأجانب في إيطاليا

GMT 13:16 2020 الثلاثاء ,14 كانون الثاني / يناير

انطلاق تصوير الجزء الثاني من مسلسل عروس بيروت في تركيا

GMT 19:14 2019 الخميس ,24 كانون الثاني / يناير

علي النمر يبدي سعادته بتحقيق فريقه الانتصار أمام الأهلي
 
Algeriatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

algeriatoday algeriatoday algeriatoday algeriatoday
algeriatoday algeriatoday algeriatoday
algeriatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
algeria, algeria, algeria