الرجل الذي آثر الصمت خمسين سنة
مسؤول جمهوري كبير يعتبر أن سياسة بايدن "المتهوّرة" في أفغانستان تؤدّي إلى "كارثة هائلة ومتوقّعة ويمكن تفاديها" مسؤول عسكري أميركي يتوقع أن تعزل حركة طالبان كابول خلال 30 يوماً وإمكانية السيطرة عليها خلال 90 يوماً ارتفاع حصلية ضحايا حرائق الغابات في الجزائر إلى 65 بينهم 28 عسكريًّا مئات من عناصر قوات الأمن الأفغانية استسلموا لطالبان قرب قندوز وصول وزير الخارجية الإسرائيلي يائير لابيد إلى المغرب وزير الداخلية الجزائري يؤكد أن الدولة ستتكفل بأضرار الحرائق وأولويتنا حماية المواطنين محافظ الغابات لولاية تيزي وزو في الجزائر يؤكد أن الحرائق التي اندلعت سببها عمل إجرامي وزير الداخلية الجزائري يعلن عن اندلاع 50 حريقا في نفس التوقيت من المستحيلات وسنباشر التحقيقات وزارة الدفاع الجزائرية تعلن عن وفاة 18 عسكريا خلال عملية إخماد الحرائق التي اندلعت بولايتي تيزي وزو وبجاية الحكومة الجزائرية تعلن ارتفاع عدد ضحايا حرائق الغابات إلى 42 شخصا بينهم 25 عسكريا
أخر الأخبار

الرجل الذي آثر الصمت خمسين سنة!

الرجل الذي آثر الصمت خمسين سنة!

 الجزائر اليوم -

الرجل الذي آثر الصمت خمسين سنة

غسان الإمام

كان على الطرف الآخر من الهاتف المقدم حسن شريتح مدير مكتب وزير الداخلية. قال لي بهدوئه المعتاد وصوته الخجول: «هناك أمر عرفي بوقف إصدار (الرأي العام) اعتبارا من هذه الليلة». كنت سكرتيرا لتحرير «الرأي العام». وكان عليّ إبلاغ صاحبها ورئيس تحريرها أحمد عِسَّهْ. فالاستمرار في العمل تلك الليلة من قبيل العبث. فستصادر في الصباح. وتجمع من الأسواق، وهو أمر بالغ التكاليف لصحيفة كانت الأولى في سوريا، من حيث الأهمية. والنفوذ. ومن حيث الانتشار. ترددت حائرا. ثم انتهزت خروج رئيس التحرير من غرفته، لأبلغه قرار جمال عبد الناصر رئيس «الجمهورية العربية المتحدة»، بحجب الصحيفة عن الصدور. تأثر الرجل كثيرا، لكن بدا ثابتا. واكتفى بالقول إن الرئيس لم يكن ليصدر هذا «القرار - الخطأ»، لولا إلحاح وزير الداخلية عبد الحميد السراج عليه. كان ذكاء الصحافي الكبير مرهقا لدولة محدودة الذكاء. فقد أتعبها في القدرة على تفسير غموض كل افتتاحية يكتبها. فأراحت نفسها بالتخلص من الصحيفة، متهمة إياه ضمنا بالعداء للوحدة، وبالدفاع عن مصالح رجال الأعمال السوريين. ولم يكن ذلك مقبولا في دولة جديدة، بدأت تأخذ - لسوء حظ عبد الناصر - منحى اشتراكيا في الاقتصاد، تحت ضغط شركائه ووزرائه البعثيين. لكن عبد الناصر ذا الوعي الشديد بأهمية الصحافة والإعلام، كان رفيقا بأحمد عسه. فقد ألحقه مع سوريين آخرين كتّابا في الصحف المصرية القومية (الحكومية). وكان عسه، في تقديري، لا يقل عن هيكل في التقنية الصحافية، من حيث أسلوب صياغة العناوين والأخبار. لكن في كتابة التعليق، كان تحليليا. غامضا. وجافا. فلم يلقَ الرواج لدى القارئ المصري الذي لقيه لدى القارئ السوري. أما أنا الذي اعتبر ولادة صحيفة، أو موت صحيفة، بمثابة حياة أو موت لي، فقد ألحقت بصحيفة «الوحدة». وهي إحدى صحيفتين أصدرهما عبد الناصر في سوريا. ووضع الصحافة تحت إشراف الوزير السراج. فاختارني السراج رئيسا للقسم الداخلي (المحلي). ونائبا لرئيس التحرير. ثم أمينا عاما لأول نقابة تأسيسية للصحافة تعترف بها الدولة في سوريا. وفي سري، كان عجبي كبيرا. فها هو السراج يشرف على الصحافة. ومعها نقيضها: جهاز الأمن المدني المخيف. ومع أنه كان يتمتع بثقة عبد الناصر التامة، فقد كان كارها لطاقم أصحاب الصحف القدامى (معظمهم معادٍ للوحدة). ولا يؤمن تماما بحرية الصحافة. وعلى قدر علمي ومعرفتي، فلم يحدث أن أدلى السراج في حياته بتصريح، أو حديث. وما لبثت الدولة أن أوقفت أيضا صحيفة «الجماهير» شقيقة «الوحدة» الرسمية. ولم تشفع لرئيس تحريرها الدكتور جمال الأتاسي نزاهتُه. وناصريته البديلة لبعثيته السالفة. فقد كان مثقفا فوضويا. وغير حازم، سواء في ممارسته السياسية أو الصحافية. فحشد في الصحيفة خليطا من الكتاب اليساريين السوريين والمصريين، غير المرغوب بهم لدى الدولة. وأذهلني «الصحافي» عبد الناصر. كان يعيب على ميشيل عفلق وصلاح البيطار عدم قراءة الصحف، فيما تمكن هو من استيعاب نجوم الصحافة المصرية. وكلهم من مدرسة العملاق محمد التابعي، كهيكل. ومصطفى وعلي أمين. وإحسان عبد القدوس. وتسخيرهم لخدمة نظامه ووحدته مع سوريا. وأقام معهم علاقة يومية. وهو يعرف أنهم كارهون له. وللوحدة! وكنت أشعر بذلك من خلال علاقة الزمالة الصحافية بهم. وباستثناء هيكل الذي كان مصريا ناصريا، أولا، ثم... ثم قوميا. عربيا. وحدويا، فقد بلغت الجرأة ببعضهم لسؤالي، عما إذا كانت هناك ثورة على عبد الناصر في سوريا. أو هي في طريقها للثورة عليه! كان السؤال يحرجني. ويضايقني حقا. لكني لم أبلغ السراج، أو المسؤولين المصريين الكبار الذين يزورون سوريا. لعلمي أنهم يعرفون مدى كراهية نجوم الصحافة المصرية وعدائهم للنظام الناصري، بعدما فقدوا مؤسساتهم المؤممة، رغم أن عبد الناصر أبقاهم على رأسها، لمعرفته بمدى جاذبيتهم للقارئ العربي. بل كان يحرص على أن يرافقوه في زياراته الخارجية. وبالذات زياراته المتكررة لسوريا، لاطلاعهم على شعبيته الحقيقية الكبيرة لدى السوريين. كان عبد الناصر «المصري» غير عبد الناصر «السوري». كانت قبضته على مصر قاسية. وكان ليبراليا، على درجة من التسامح في سوريا، سمحت بالمحافظة على جماهيريته لدى السوريين. ورغم السراج، فقد ترك عبد الناصر لأصحاب الصحف السورية حرية إصدار صحفهم، إذا ما طوروها. وزادوا عدد صفحاتها. أمضي في تعريف ثلاثة أجيال عربية بجمهورية الوحدة الناصرية (1958 -1961)، مركزا على دور عبد الحميد السراج. عندما فر الرئيس أديب الشيشكلي أمام حركة انقلابية صغيرة ضده، فقد أنهى ضباط الآيديولوجيا، بمن فيهم السراج، ضباط فرنسا «الكلاسيكيين» الذين تركتهم وراءها. أستطيع أن أرسم صورة سريعة للسراج آنذاك (1954): ضابط عسكري وسيم. رياضي قوي البنية. أشبه بشون كونري أول بطل لمسلسل أفلام المخابراتي جيمس بوند. تولى المقدم السراج رئاسة المكتب الثاني (المخابرات العسكرية) بعد فرار الشيشكلي ابن مدينته حماه. فحسده زملاؤه ضباط الآيديولوجيا. وكرهوه. ولم يستطيعوا الاستغناء عنه. فقد كان مصلحا ومصالحا بينهم. وأحبط كل المحاولات الانقلابية ضدهم. ووضع العهد شبه الديمقراطي (1954 - 1958) تحت رقابته الصارمة. هذه المؤهلات المخابراتية الباهرة لم تكن كافية لترشيح السراج للقيام بدور الرجل رقم (1) لأسباب كثيرة: نفسيا، لم يكن مغامرا. عسكريا، لم يكن يملك كتلة كبيرة منافسة لكتل البعثيين. والشيوعيين. أو حتى للفاشيين السوريين القوميين. أو العلويين. كانت ميول السراج القومية العربية طريقا لنسج علاقة وثيقة مع الرجل رقم (1). مع عبد الناصر أبرز المتنافسين العرب على الفوز بسوريا المضطربة آنذاك. وعندما قامت دولة الوحدة (1958)، كان السراج مرشحا للعب دور تاريخي. لكن عبد الناصر أزاح كل ضباط الآيديولوجيا، بمن فيهم السراج. وخلافا لكل انتقاد يوجه إلى السراج على سلوكه المخابراتي، أشهد بأن الرجل كان على كفاءة إدارية كبيرة. وعندما دب الخلاف بين عبد الناصر والبعثيين، حل السراج محل أكرم الحوراني كنائب لرئيس الجمهورية، وكرئيس للمجلس التنفيذي (رئاسة الحكومة في الإقليم السوري). استغل البعثيون البيروقراط النزاع المتفجر بين السراج والمشير عبد الحكيم عامر، لزرع العصي في عجلة الدولة. كان عامر، كما خبرته، عسكريا طيب القلب. فأوقع طموح ضباطه المحيطين به، بينه وبين عبد الناصر. ثم شجعوه على الانحياز لمطالب تجار الطبقة الوسطى السورية، في تطبيق اقتصاد السوق، فيما كان عبد الناصر يمضي قدما في تطبيق الاقتصاد الماركسي الفاشل في مصر. وأصابني من البعثيين ما أصاب الدولة من «الخلخلة» في عجلاتها. فقد صعد البعثي جلال فاروق الشريف رئيس تحرير «الوحدة» إلى مقر رئاسة الجمهورية، ليضع نفسه والصحيفة تحت تصرف المشير عامر وضد السراج! وعلمت بذلك. وكان من واجبي نقل الخبر إلى السراج. تألم الرجل كثيرا. واستدعاني مع رئيس التحرير. ووبخه بحضوري بغضب شديد، مهددا بإغلاق الصحيفة إذا ما حاول جعلها أداة لتعميق الخلاف، بين أركان الدولة. أَمِن عبد الناصر جانب ضباط الآيديولوجيا. للسخرية، قاد ضباط دمشق الانقلاب عليه وعلى المشير عامر. ثم ندموا. أودعوا في سجن المزة الدكتور ناظم القدسي الذي جاءوا به رئيسا لجمهورية الانفصال. وذهبوا إلى عبد الناصر باكين نادمين، مطالبين باستعادة الوحدة! الواقع أن عبد الناصر ارتكب أخطاء كثيرة. وفي مقدمتها عداؤه للسعودية والأردن. وتحالفه مع نظام البعث الطائفي ضد دول الخليج. ولو أنه أبقى جهاز المخابرات العسكرية في عهدة السراج، لما تمكن العقيد عبد الكريم النحلاوي مدير مكتب المشير عامر، من قيادة الانقلاب ضده وضد عبد الناصر. خرج السراج من سجن الانفصاليين، ليغادر سوريا نهائيا. عاش السراج في مصر، بصمت مطبق خمسين سنة. ورحل في الأسبوع الماضي عن 91 عاما، حاملا معه إلى قبره أسرار عصر عربي حافل. نشرت «الأهرام» نعي الرجل الذي كان ملء السمع والبصر، في صفحة الوفيات، فيما كان مخابراتي آخر (جامع جامع) يحتل صدر الصحف العربية، بخبر قنصه قتيلا في دير الزور. وبعد، هل كانت دمشق التي يلقبونها بقلب العروبة النابض، تنقلب على عبد الناصر، لو أنها كانت تدري ماذا سيفعله الأسد الأب والابن بها؟ لست أدري!  

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الرجل الذي آثر الصمت خمسين سنة الرجل الذي آثر الصمت خمسين سنة



GMT 20:07 2021 الجمعة ,13 آب / أغسطس

طالبان وإيران حلفاء أم أعداء؟

GMT 20:01 2021 الجمعة ,13 آب / أغسطس

مجرداً من عصاه

GMT 19:57 2021 الجمعة ,13 آب / أغسطس

إيران وجناحاها التالفان

GMT 19:52 2021 الجمعة ,13 آب / أغسطس

هل يعامل إبراهيم رئيسي مثل عمر البشير؟

GMT 19:47 2021 الجمعة ,13 آب / أغسطس

لقد أطفأوا بيروت لؤلؤة المتوسط

GMT 19:43 2021 الجمعة ,13 آب / أغسطس

سيطرة طالبان على أفغانستان تقلق إيران!

GMT 17:54 2021 الجمعة ,13 آب / أغسطس

ولكن رئيس رئيسي لا يمد يده!

GMT 06:39 2017 الثلاثاء ,31 تشرين الأول / أكتوبر

هل التوافق ممكن بين الدين والعلم؟

GMT 01:49 2016 الأربعاء ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

نيكول سابا تُشارك في مسلسل "مذكرات عشيقة سابقة"

GMT 02:21 2018 الإثنين ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

رئيسة وزراء رومانيا تبدأ زيارة رسمية إلى سلطنة عمان

GMT 08:13 2017 الأربعاء ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

23 صورة من إطلالات النجوم في مهرجان القاهرة السينمائي

GMT 01:04 2017 السبت ,07 تشرين الأول / أكتوبر

"روندا" مدينة فوق الصخور وروح الأندلس في إسبانيا

GMT 18:53 2021 الثلاثاء ,04 أيار / مايو

تعرف على أسعار كيا سبورتاج 2021 فى الإمارات

GMT 19:39 2019 الأربعاء ,30 كانون الثاني / يناير

الأميركي بريسون ديشامبو يتقدم في "السباق إلى غولف دبي"

GMT 02:42 2018 الإثنين ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

"العرب اليوم" يكشف عن مطربي حفلات رأس السنة 2019

GMT 07:23 2018 الجمعة ,06 تموز / يوليو

تعرف على كيفية أداء صلاة خسوف القمر

GMT 07:43 2018 الجمعة ,11 أيار / مايو

أفضل 10 أماكن لقضاء العطلة الصيفية في فرنسا
 
Algeriatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

algeriatoday algeriatoday algeriatoday algeriatoday
algeriatoday algeriatoday algeriatoday
algeriatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
algeria, algeria, algeria