خيرالله خيرالله
بعدما هدّد جماعة الاخوان في مصر بالرد على الثورة الشعبية، "ثورة الثلاثين من يونيو"، بعمليات ارهابية في سيناء، تأكّد بالملموس أنّ التهديد جدّي. ما يشير الى مدى جدّيته استهداف مزيد من الجنود ورجال الشرطة المصريين في تلك المنطقة التي لديها حدود مشتركة مع قطاع غزّة.
ما تشهده سيناء، خصوصا بعد العملية الارهابية الاخيرة قرب رفح التي قتل فيها 24 من عناصر الامن المركزي، لا يكشف اخوان مصر فحسب، بل يكشف ايضا البيئة الحاضنة للارهاب التي اسمها فوضى السلاح التي يتسبب فيها قطاع غزة. يوما بعد يوم يتبيّن أن غزة صارت خطرا على مصر عموما وعلى سيناء تحديدا بدل أن تكون عاملا مساعدا في نشر الاستقرار في المنطقة بما يفيد الفلسطينيين والمصريين في الوقت ذاته. صارت أيضا خطرا على القضية الفلسطينية التي تعاني من المشاكل الكبيرة التي يتعرّض لها الشرق الاوسط والتي جعلت الاولويات العربية مختلفة. لم يعد صحيحا أن فلسطين لا تزال قضية العرب الاولى، خصوصا في ظلّ التهديدات التي تتعرض لها دول الخليج وما تشهده مصر... بموازاة انفلات الغرائز المذهبية في العراق وسوريا وحتى في لبنان الذي يعاني بدوره من فوضى السلاح.
الاكيد، في كلّ ما له علاقة بغزة وسيناء، أن هناك مسؤولية تتحمّلها السلطات المصرية منذ فترة طويلة، أي منذ أيام حسني مبارك. كان هناك تجاهل لخطورة الوضع في غزّة والنتائج المترتبة على سيطرة حركة "حماس" على القطاع بالحديد والنار... والقاء المواطنين من سطوح البنايات.
لم تبذل الادارة المصرية جهودا تذكر لوضع حدّ لانتشار السلاح في غزة وامتداد ظاهرة التهريب الى سيناء. صحيح أن التهريب كان دائما مظهرا من المظاهر السائدة في سيناء، الا أن هذه الظاهرة لم تكن مترافقة مع نشاط ارهابي بات الآن يوظّف في خدمة السعي الى عودة الاخوان المسلمين الى التحكّم بمصر ومصيرها.
ثمة حاجة أكثر من اي وقت الى التعويض عن التقصير المصري تجاه غزة وسيناء. ففي السنوات الاخيرة من عهد حسني مبارك، كانت الاجهزة المصرية على علم بكلّ شاردة وواردة في القطاع. كانت بين افضل الذين يمتلكون
معلومات عن "حماس" وتصرّفاتها، خصوصا منذ انقلابها على الشرعية الفلسطينية منتصف العام 2007. لكنّ هذه الاحاطة باوضاع القطاع ومدى وخطورتها لم تترافق مع أي اجراءات على الارض في غياب مسؤول مصري كبير يقف ويقول الحقائق كما هي.
في مقدّم هذه الحقائق أنّ الشعارات التي تطلقها "حماس" من غزة، مع ما يرافقها من صواريخ مضحكة- مبكية أفضل خدمة يمكن تقديمها للاحتلال الاسرائيلي...للضفة الغربية. ربّما نسيت "حماس" أن اسرائيل انسحبت من كلّ قطاع غزة صيف العام 2005 عندما كان ارييل شارون لا يزال رئيسا للوزراء وأن مساعدا لشارون قال صراحة أن الهدف من الانسحاب هو الامساك بطريقة أفضل بالضفة الغربية، بما في ذلك القدس الشرقية.
بعد وصول الاخوان المسلمين الى موقع الرئاسة في مصر في السنة 2012، تبين أنّ السلطة ولا شيء غير السلطة هو الهدف الاوّل والاخير لـ"حماس" وأن عقدة السلطة امتدت في اتجاه مصر...التي اصابتها عدوى غزة. بات مطلوبا في مصر، كما حصل في غزة، استخدام صناديق الاقتراع لمرّة واحدة، هي الاولى والأخيرة، من أجل أخونة أجهزة السلطة في غزّة والدولة في مصر.
شكّلت غزّة في مرحلة معيّنة مجرّد وسيلة لاقامة علاقات متينة بين "حماس" والحكم الاخواني في مصر الذي يرمز اليه محمّد مرسي من جهة، وكلّ من اسرائيل والادارة الاميركية من جهة أخرى. ما تدلّ عليه الاحداث خلال السنة التي كان فيها مرسي رئيسا لمصر أنه قدّم أوراق اعتماده الى كلّ من أميركا واسرائيل عن طريق ضبط الوضع بين قطاع غزّة واسرائيل. في غضون ذلك، كان التركيز الحمساوي والاخواني على سيناء حيث تعرّض الجيش المصري لسلسلة من الهجمات استهدفت الهاءه عن دوره الوطني لا أكثر ولا أقلّ وجعله أسير عمليات ارهابية تشتت قواه.
مهما علت اصوات قادة "حماس" نافية التدخل في مصر، يبقى أنّ الحركة جزء لا يتجزّا من تنظيم الاخوان المسلمين الذي يسعى حاليا الى استعادة السلطة في القاهرة. ان "حماس" متورطة الى ما فوق اذنيها في ما يجري في مصر بغض النظر عمّا يصدر عن رئيس الحكومة المقالة اسماعيل هنيّة الذي قال في خطاب واحد الشيء ونقيضه. ففي معرض نفيه للتدخل في مصر قال هنيّة قبل أيّام: "ليست لنا امتدادات في مصر غير امتدادات الخير والاسلام والفكر
والاستراتيجية والاخوة. دورنا العسكري هنا على أرض فلسطين حيث نعمل ضدّ الاحتلال الاسرائيلي فقط".
ليس معروفا ما هي الاستراتيجية التي تربط "حماس" بمصر والتي يتحدّث عنها رئيس الوزراء المقال؟ الى الآن، وبعد ثبوت ارتباط "حماس" بتهريب مرسي من سجن مصري وبعد تلك الحماسة الحمساوية لاخوان مصر...وبعد الذي تعرّضت قوات الامن المصرية في سيناء، لا يمكن الحديث الاّ عن استراتيجية واحدة. انها استراتيجية السلطة. والسلطة تعني بكلّ بساطة أن مستقبل الاخوان في مصر مرتبط بمستقبل "حماس" والعكس صحيح. الامر الوحيد الذي يمكن أن يعمل لمصلحة "حماس" هو الحاجة الاسرائيلية اليها.
ثمّة حاجة اسرائيلية الى من يتحدّث عن "مقاومة الاحتلال" انطلاقا من غزة بغية ضمان بقاء الاحتلال في الضفة الغربية. هل أفضل من "حماس" للعب هذا الدور الذي يعني، بين ما يعني، تركيز الجهود على انتشار فوضى السلاح في سيناء وصولا الى ارض الكنانة؟