خيرالله خيرالله
هناك نموذج للمسؤول اللبناني مطلوب تعميمها لتشمل كلّ الوطن الصغير. هذا ما كشفته الكلمة التي ألقاها في مؤتمر جنيف-2 وزير الخارجية في الحكومة اللبنانية المستقيلة. ما حصل في مونترو التي استضافت افتتاح جنيف-2، يتجاوز شخص الرجل والفريق الذي ينتمي اليه. لم يفاجئ الوزير في الحكومة المستقيلة أحدا. فالرجل الذي جيء به اصلا الى موقع وزير الخارجية في الحكومة التي شكّلها "حزب الله" برئاسة نجيب ميقاتي، انما يمثّل نوعا معيّنا من موظفي الادارة اللبنانية. يتميّز هؤلاء بأن ولاءهم الاوّل للنظامي الايراني والسوري وليس للبنان.
في ضوء مثل هذه المعطيات، كان طبيعيا، بل أكثر من طبيعي، سعي الوزير "اللبناني"، وهو لبناني بالاسم فقط، الى تبرير مشاركة "حزب الله" في الحرب التي يشنّها نظام على شعبه متذرّعا بأنه "مقاومة". ما هذه المقاومة التي تشارك في ذبح الشعب السوري من جهة وتوجيه سلاحها غير الشرعي الى صدور المواطنين العزّل من جهة أخرى؟
فعل الوزير "اللبناني" ما فعله من منطلق مذهبي بحت. كان كافيا قبل أشهر قليلة أن يأمر "المرشد" في ايران "حزب الله" بارسال عناصر مسلّحة الى الاراضي السورية والمشاركة في قتل الشعب السوري، حتّى يتحقّق ذلك باسرع من البرق.
كان "حزب الله" متورّطا منذ البداية في قمع الثورة السورية التي اندلعت قبل نحو ثلاث سنوات. لكنّ تورطه زاد بعد انكشاف النظام السوري على حقيقته أمام الثوّار السوريين. تبيّن أن لا شيء ينقذ هذا النظام، موقتا، الا الاستعانة بقوى خارجية جاءت من لبنان والعراق وايران نفسها.
ما ذكره وزير الخارجية الايراني محمّد جواد ظريف عن أن "حزب الله" أرسل عناصر الميليشيا التي يمتلكها الى سوريا من دون طلب ايراني ليس صحيحا. لم يتحرّك الحزب الايراني، ذو العناصر اللبنانية، الاّ بناء على طلب ايراني جاء من "المرشد" تحديدا.
ما دخل لبنان في كلّ ذلك؟ أين مصلحة لبنان في تبرير مشاركة عناصر مسلّحة تنتمي الى ميليشيا مذهبية تتلقى أوامرها من خارجه في ذبح السوريين؟ أين مصلحة لبنان في انطلاق هذه العناصر من أراضيه في اتجاه الاراضي السورية؟
أين مصلحة لبنان في المعادلة الجديدة التي تسعى ايران الى فرضها على الدول العربية الواحدة تلو الأخرى بقصد تعميمها على كلّ المنطقة؟
فحوى هذه المعادلة أن لا قيمة للحدود المعترف بها لهذه الدولة العربية أو تلك. المهمّ والاساس هما الانتماء المذهبي. والاهمّ من ذلك كلّه الولاء للنظام في ايران وهو يعلو على الانتماء الوطني، أكان ذلك في العراق أو لبنان...
لا يمكن لوم الوزير على الطريقة التي تصرّف بها في مؤتمر جنيف-2. فهذا الوزير أصلا من أجل هذا النوع من المهمّات، هو الذي أمضى فترة طويلة من حياته ديبلوماسيا لبنانيا في طهران التي عاد منها صوتا لطهران في بيروت لا اكثر ةلا أقلّ!
ما فعله الوزير لا قيمة له بالنسبة الى المجتمع الدولي الذي يبدو مصمّما على استخدام النظام في عملية مكشوفة تصبّ في تدمير الكيان السوري. لا يتكّل المجتمع الدولي على النظام وحده لاتمام هذه العملية، بل يستعين نفسها وبأدواتها اللبنانية والعراقية وبروسيا من أجل التخلّص من سوريا التي عرفناها والتي يعرف الطفل الصغير انّه لم يعد لها وجود.
يبقى أن ثمّة جانبا مثيرا للانتباه في سلوك الوزير. يكشف هذا الجانب حجم الاخطار المحدقة بلبنان والظلم اللاحق به. فهذا الوزير لم يعد حالة معزولة. هناك محاولة لتعميم سلوك الرجل على أكثر من وزارة وموقع مهمّ في مؤسسات الدولة اللبنانية. صار مطلوبا بكلّ بساطة أن يكون كلّ وزراء لبنان على شاكلة وزير الخارجية في الحكومة المستقيلة أو على شاكلة وزيري الطاقة والاتصالات االذين ينتميان الى تيّار مسيحي لا طموح لديه سوى أن يكون اداة سورية وايرانية متى تدعو الحاجة الى ذلك. وهذا يعني وجود اصرار ايراني على بقاء الاتصالات والطاقة في يد وزيرين مسيحيين بالاسم، في حين انّهما تحت السيطرة الفعلية لـ"حزب الله" بكلّ ما يمثّله على الصعيد الاقليمي.
أكثر من ذلك، صار مطلوبا أن تكون كلّ المؤسسات اللبنانية كلّها تابعة لايران، على غرار ما هو حاصل على صعيد الجامعة اللبنانية. هذه الجامعة، التي يفترض أن تكون لكلّ لبنان ولكلّ اللبنانيين، أصرّ "حزب الله" على جعلها في عهدة شخص أظهر له كلّ الولاء...متى دعت الحاجة الى ذلك.
نعم، المسألة ليست مسألة وزير من هنا وآخر من هناك. المسألة تشير الى حجم التحدي الذي يواجه لبنان ككلّ. هل ينجح الوطن الصغير في الخروج من النفق
المظلم الذي يقوده اليه "حزب الله" الذي ليس، في نهاية المطاف، سوى لواء في "الحرس الثوري" الايراني؟
ذلك هو السؤال الكبير الذي يشكّل التحدي الاكبر أمام كلّ لبناني يرفض أن يكون بلده تابعا لايران ولغير ايران التي استطاعت حتى الآن تنفيذ أجزاء أساسية من مشروعها. من بين ما نجحت فيه تأكيدها أن لا حكومة لبنانية من دون دون ضوء أخضر من طهران. كذلك، لا مواطن عربيا، خصوصا اذا كان خليجيا، يستطيع زيارة البلد عن طريق مطار بيروت من دون اذن ايراني. أوليس ما يتعرّض له لبنان واللبنانيون الظلم بعينه؟ أوليس ذلك نتيجة طبيعية لتشكيل حكومة من لون واحد وضعت نفسها في خدمة المشروع الايراني، على حساب لبنان أوّلا...وأخيرا!