المؤتمر المخصص لدعم الشعب السوري، كشف إلى أي حد أوروبا عاجزة عن لعب دور في الصراع الدائر في سوريا، في ظل السياسة التي تتبعها إدارة باراك أوباما.
كان مؤتمر لندن للمانحين مفيدا إلى حد كبير. يكفي أن المؤتمر المخصص لدعم الشعب السوري كشف إلى أي حد أوروبا عاجزة عن لعب دور في الصراع الدائر في سوريا في ظل السياسة التي تتبعها إدارة باراك أوباما. كشف المؤتمر، في واقع الحال، حدود الدور الأوروبي… حتى لا نقول العجز الأوروبي.
ثمّة وعي دولي وأوروبي بأبعاد الأزمة السورية والنتائج المترتبة عليها. هذا الوعي يفسّر الحماسة الألمانية والبريطانية والنرويجية للتبرع بسخاء من أجل بقاء اللاجئين السوريين في البلدان التي استضافت أكبر عدد منهم، وهي لبنان والأردن وتركيا.
في المؤتمرات السابقة التي استضافتها الكويت، كانت معظم التبرّعات تأتي من الدول العربية، على رأسها الكويت نفسها. وكانت التبرّعات السخيّة للكويت من بين الأسباب التي دفعت الأمم المتحدة إلى تكريم أمير الدولة، الشيخ صُباح الأحمد، ومنحه لقب “القائد الإنساني”.
لم تعد نار الأزمة السورية تكوي سوريا والجوار المباشر، امتدّ الحريق إلى أوروبا التي تسعى حاليا إلى منع النار، نار الإرهاب خصوصا، من الانتقال إليها.
في الوقت الذي كان المؤتمر منعقدا، كان رئيس الوزراء التركي أحمد داوود أوغلو يثير مسألة استمرار تدفّق السوريين الهاربين من حلب ومحيطها في اتجاه بلده. هناك بالفعل رغبة روسية وإيرانية في الاستجابة لما يريده النظام، أي تهجير أكبر عدد من السوريين من سوريا.
شاركت الكويت في مؤتمر لندن بعدما كانت استضافت المؤتمرات الثلاثة السابقة المخصصة لمساعدة الشعب السوري المظلوم.
كان صُباح الأحمد دقيقا في توصيفه للوضع السوري وذلك عندما قال إن “المأساة الإنسانية في سوريا لن تنتهي إلا بحلّ سياسي يحقن الدماء ويعيد الاستقرار إلى عالمنا”، مضيفا أنّ “آثار هذه الكارثة المدمّرة لم تقتصر على إقليمنا الذي يعاني حاليا من تبعاتها، بل تجاوزته لتصل إلى قارات أخرى ومنها أوروبا التي وفد إليها اللاجئون بأعداد كبيرة طلبا للأمن والعيش الكريم، كما انتقلت إليها المنظّمات الإرهابية التي انطلقت من بؤر التوتّر لتمارس أعمالها الإجرامية الدنيئة في بعض الدول الأوروبية”.
تطرّق أمير الكويت إلى مسألة في غاية الأهمّية هي مستقبل الأطفال السوريين حينما قال “إنّنا مطالبون بالتفكير في فلسفة جديدة لتقديم الدعم والمساعدة للنازحين واللاجئين عبر اعتماد برامج وخطط توفّر لهم فرصا للتعلّم وتحفظ الأطفال من ضياع حقّهم فيه”.
تعود أهمّية مؤتمر لندن إلى الجهد الذي بُذل من أجل إيجاد مقاربة شاملة للأزمة السورية، ولكن من الناحية النظرية فقط. هذا ما دفع المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل إلى الإعلان عن تبرّع بمبلغ مليارين وثلاثمئة مليون يورو تذهب للسوريين والدول المحيطة. كانت هناك أيضا تبرعات سخية من بريطانيا بلغت مليارا ومئتي مليون جنيه إسترليني ومن نرويج التي قدّمت مليارا ومئة وسبعين مليون يورو، فيما اكتفت الولايات المتحدة بتقديم ثمانمئة وتسعين مليون دولار.
بات على أوروبا أن تدافع عن نفسها. بات عليها المحاربة على جبهتين؛ الأولى منع اللاجئين من الوصول إليها، والأخرى مواجهة روسيا وإيران اللتين تعملان على إبقاء النظام، أقلّه صوريا، من أجل متابعة عملية تفتيت سوريا وتهجير السوريين.
بدا واضحا من الكلمات التي أُلقيت في مؤتمر لندن، أن تركيا تشعر بتهديد مباشر لها وأن من الصعب أن تبقى متفرّجة على ما يدور على حدودها. كذلك، بدا واضحا أن الأردن من الدول القليلة التي تعرف كيف تدافع عن مصالحها وعن مصالح شعبها. يدلّ على ذلك حضور الملك عبدالله الثاني إلى لندن وإلقائه كلمة أعطت بعدا آخر للمؤتمر.
مرّة أخرى، أظهر عبدالله الثاني كم هو بعيد النظر، وكم هو قادر على النظر إلى الأزمة السورية من زاوية مختلفة، إذ قال “إننا نلتقي اليوم في هذا المؤتمر للمانحين تحت شعار دعم سوريا والمنطقة. إلا أنني على قناعة بأن اجتماعنا يتجاوز في أهدافه قياس مستوى استعدادنا لتقديم المساعدة والدعم فقط”. وأضاف أنّ “الأساليب التقليدية لمعالجة الأزمات ما عادت، وبكل وضوح، ناجعة في مواجهة التحديات الخطيرة التي نواجهها. بناء عليه، نحن في حاجة إلى عمل أوسع نطاقا وأكثر جرأة”. ليست لدى الأردن عقدة التوطين وما شابه ذلك، هو الذي استقبل مئات الآلاف من اللاجئين من كلّ دول المنطقة، بما في ذلك أولئك الذين أتوا إليه من فلسطين والعراق. لذلك دعا إلى “نهج يعطي الأولوية لتمكين اللاجئين واعتمادهم على الذات، بدل الاتكال على المساعدات”.
كذلك دعا إلى الإجابة عن سؤال “لماذا يجدر منح الأردن أهمّية خاصة دون دول العالم الأخرى المحتاجة للدعم؟”. وأوضح “أنّ الأردن ليس بلدا فقيرا يطلب الدعم، بل هو معطاء وكريم بسخاء. لكن لكم أن تتخيّلوا لو أن الأردن تصرّف بطريقة مغايرة ولم يسمح للاجئين بدخول بلدنا على مدار العقود الماضية. ماذا سيكون أثر ذلك على المنطقة الآن وعلى السلم والأمن العالميين؟”. كذلك قال “إننا نعيش اليوم واقعا مفاده أن واحدا من كلّ خمسة أشخاص يعيشون في الأردن هو لاجئ سوري، وهذا يوازي استيعاب المملكة المتحدة لسكان بلجيكا جميعا (..) أكاد أجزم أنّه لا توجد دولة نامية أخرى ساهمت أكثر من الأردن في حفظ الأمن العالمي”.
كان مؤتمر لندن نقطة تحوّل، خصوصا أنه جاء بعد أربعة وعشرين ساعة من تعليق لقاء جنيف 3 نتيجة إمعان روسيا في البحث عن حلّ عسكري في سوريا.
هناك بداية لبحث جدي في تأثير الأزمة السورية على السلم والأمن العالميين. نجح عبدالله الثاني في لفت أوروبا إلى هذا الأمر، وذلك من منطلق الضغوط التي تعرّضت لها دول القارة أخيرا.
هناك للمرّة الأولى بوادر تفهّم لحقيقة أن إيجاد حلّ في سوريا يساهم في القضاء على الإرهاب. ولكن هل من يريد حلا في سوريا؟
لا ينمو الإرهاب إلا في ظل الفقر وغياب الاستقرار. ليست صدفة أن الأردن لم يحافظ على استقراره إلا لأنه، على خلاف النظام السوري، لم يستثمر في الإرهاب ويشجّعه ويسعى إلى استغلاله. على العكس من ذلك دخل باكرا في مواجهة مباشرة مع الإرهاب بكلّ أنواعه.
هل من يتذكّر أن الأردن لعب دورا بارزا في القضاء على “أبومصعب الزرقاوي” في داخل العراق، وذلك قبل أن يبدأ الكلام عن “داعش” وما شابه “داعش”؟
بعد مؤتمر لندن، هناك ظهور يترافق مع عجز على الأرض، لوعي أوروبي حقيقي بأهمّية مساعدة اللاجئين السوريين والسعي إلى بقائهم غير بعيدين عن سوريا. ما هي الخطوات السياسية التي ستتبع ذلك؟ المال يمكن، من دون أدنى شكّ، أن يكون عاملا مساعدا. لكنه ليس العامل الحاسم. هل في استطاعة أوروبا حمل الإدارة الأميركية على لعب دور أكثر فاعلية في التخلص من النظام السوري؟
من دون خطوة من هذا النوع، ستظلّ المساعدات المالية، مهما بلغ حجمها، مجرد مسكّن لا أكثر. المال ليس حلا. في غياب الحل، ستكون الحاجة الدائمة إلى مؤتمرات مثل مؤتمر لندن تغطي العجز عن الذهاب إلى لبّ المشكلة الذي يكمن في الانتهاء من النظام السوري ولا شيء غير ذلك!