خيرالله خيرالله
فاجأت الكويت كلّ من لا يحب المفاجآت عندما استضافت قبل ايّام قليلة "المؤتمر الدولي للمانحين لدعم الوضع الانساني في سوريا". حصيلة المؤتمر كانت نجاحا للكويت والشعب السوري في آن. أنها المرّة الاولى، منذ تأسيسها، التي تستطيع فيها الامم المتحدة جمع مبلغ بهذا الحجم، مبلغ يزيد على مليار ونصف مليار دولار، من اجل مواجهة "كارثة انسانية" بكلّ معنى الكلمة.
الكارثة كارثة سورية الى حد كبير، لكنها كارثة على المستوى الاقليمي ايضا نظرا الى استمرار تدفق اللاجئين على الاردن ولبنان وتركيا بكثافة...والعراق، في حدود معيّنة.
كان ملفتا أن العراق بكلّ امكاناته المالية لم يتبرّع سوى بعشرة ملايين دولار كاشفا المأزق الذي تعاني منه حكومة نوري المالكي المضطرة الى مسايرة الموقف الايراني الداعم لنظام لا همّ له سوى قتل ابناء الشعب السوري، نظام عائلي يحكم باسم حزب البعث، على صورة النظام الذي كان قائما في العراقي والذي لا يزال السيّد المالكي يشكو منه يوميا...
يدلّ النجاح الذي تحقّق في الكويت مدى تعلّق العرب بسوريا وشعبها. أنه يدلّ ايضا على وجود ارادة عربية صلبة في اخراج سوريا من ازمتها التي طالت اكثر مما يجب. أنه تحرك اخذ علما بأن الازمة قد تطول اشهرا اخرى عدة وأنه لا يجوز ترك الشعب السوري تحت رحمة نظام كلّ ما يريده هو قهر ارادة هذا الشعب واذلاله. فهناك ثلاث دول عربية هي الكويت والامارات والسعودية اخذت على عاتقها تأمين تسعمئة مليون دولار، اي اكثر من نصف المبلغ الذي طلبته الامم المتحدة لتأمين حاجات الشعب السوري داخل الاراضي الوطنية وخارجها وذلك حتى منتصف السنة الجارية.
من الواضح ان مثل هذا التحرك لا يصب في حماية الشعب السوري ودعم صموده في وجه آلة القتل والتهجير فحسب، بل يساعد ايضا في دعم الاستقرار الاقليمي وذلك عبر توفير مساعدة للبنان والاردن خصوصا. مثل هذه المساعدة تساهم في جعل البلدين اللذين لا يمتلكان اي موارد او ثروات طبيعية يتحمّلان عبء تدفق مئات آلاف اللاجئين على اراضيهما.
ركّز المسؤولون الكويتيون على الجانب "الانساني" لمؤتمر الكويت وعلى أنه كان استجابة لمبادرة من الامين العام للامم المتحدة بان كي كون. الكلام صحيج وسليم، علما أن امير دولة الكويت الشيخ صباح الاحمد الصباح حرص في الخطاب الذي افتتح به القمة على تأكيد انحياز بلاده ودول مجلس التعاون للشعب السوري. في الواقع، كان المؤتمر استخداما خليجيا تجيده الكويت لما يمكن تسميته القوة الناعمة. عمليا، قادت الكويت، عبر المؤتمر، عملية تستهدف البحث عن حلّ سياسي يتوج بانتقال سلمي للسلطة.
لم تتدخل الكويت في يوم من الايام في شؤون اي دولة اخرى اكانت قريبة او بعيدة. لكنّ الكويت التي عانت من الظلم ومن الاحتلال في مرحلة معيّنة، تدرك قبل غيرها أن لديها مصلحة في الاستقرار الاقليمي وأن هذا الاستقرار لا يمكن ان يتحقق في ظل استمرار الازمة السورية. بكلام اوضح، كان مؤتمر الكويت جزءا لا يتجزّأ من عملية مركبة ذات جوانب مختلفة تصب في وضع حد للعبة الهروب الى امام التي يمارسها النظام السوري. هذه اللعبة التي لجأ اليها النظام بدعم من ايران وروسيا والصين. والدولتان الاخيرتان حالتا الى الآن عن طريق "الفيتو"، دون اتخاذ مجلس الامن التابع للامم المتحدة موقفا واضحا يقود الى عملية انتقال للسلطة في سوريا تساعد في انقاذ ما يمكن انقاذه.
...والمطلوب انقاذه ليس الشعب السوري وحده، بل الكيان السوري وما بقي من البنية التحتية للبلد ايضا وايضا.
نعم مطلوب انقاذ ما يمكن انقاذه من سوريا، بدءا بشعبها. ولا شك ان مبلغا يزيد على مليار ونصف مليار دولار سياعد في تمرير الاشهر القليلة المقبلة من الناحية الانسانية. لكنّ الامل يظل قائما في ان يساهم ذلك في بلورة موقف اكثر ايجابية يصدر عن مجلس الامن ويقود الى افهام النظام السوري أن لعبته انتهت. عندئذ، سيكون في الامكان القول أن نجاح مؤتمر الكويت كان نجاحا كاملا، خصوصا اذا استطاع مجلس الامن وقف حدّ للمجزرة اليومية التي يتعرّض لها الشعب السوري. انها مجزرة تنفّذ بوسائل مختلفة اثّرت حتى الآن على الاردن ولبنان بشكل مباشر وكأنه لا يكفي ما يتعرّض له البلدان من ضغوط اقتصادية خاصة بكل منهما.
لم يكن مؤتمر الكويت غريبا عن الكويت وعن امير الدولة. فالشيخ صباح الاحمد رجل يمتلك ما يكفي من الخبرة المتراكمة ما يسمح له بقيادة مسيرة دعم الشعب السوري وانقاذ ما يمكن انقاذه من سوريا.
ليست الخبرة وحدها سلاح الشيخ صباح الذي يتبيّن كلّ يوم كم هو انسان يمتلك حسّا مرهفا قبل اي شيء آخر. هناك الشيخ صباح السياسي الذي لعب دورا اساسيا ومحوريا في عملية ازالة كابوس الاحتلال في العام 1990. وهناك الشيخ صباح الذي كان على رأس اللجنة العربية التي مهّدت لاتفاق الطائف الذي اوقف حرب لبنان في العام 1989. وهناك ايضا ايضا الشيخ صباح الانسان الذي يستطيع القول:"نعم اخطأت" وذلك في حال حصول خطأ يتوجب تصحيحه. هل من عبارة اهمّ من هذه العبارة تؤكد اهمية امير الكويت كرجل دولة من مستوى خاص واثق من نفسه ومن الكويت؟
في كلّ الاحوال والظروف يتصرّف امير الدولة الكويت بشكل طبيعي من دون اي عقد من اي نوع كان. مثل هذا التصرّف يؤكّد أن من يقف على رأس الدولة في الكويت رجل حكيم ومتواضع يدرك، بفضل التجارب التي مرّ فيها، أن القوة الناعمة يمكن أن تنجح حيث فشلت دبابات النظام السوري ومدافعه وطائراته...أنها رسالة مؤتمر الكويت ورسالة صباح الاحمد الذي مزج بين الانساني والسياسي بحثا عن مخرج في سوريا...ينقذ سوريا والسوريين في آن.