غسان شربل
تعجبني قصة «أبواب الجحيم». وهي ليست جديدة. حذر صدام حسين أميركا من أن غزوها العراق سيفتح «أبواب الجحيم». وحذر معمر القذافي حلف الناتو من أن تدخله في ليبيا سيفتح «أبواب الجحيم». والحقيقة هي أن «أبواب الجحيم» تفتح مرتين: الأولى حين يلتهم المستبد القرار والأرض ومن عليها، والثانية حين يسقط المستبد وتتكشف بلاده عارية من المؤسسات والبدائل الديموقراطية. كلما طلب من مسؤول عربي أن يغادر موقعه رحمةً ببلاده أو شعبه، أو أن يتخلى عن شهوة الإمساك بالأختام، سارع إلى التحذير من «أبواب الجحيم».
أعجبني البارحة تحذير الرئيس نوري المالكي. قال إن أي محاولة غير دستورية لاختيار رئيس وزراء العراق ستفتح «أبواب الجحيم». كان يمكن هذا التحذير أن يلقى صدى لو قيل قبل الكارثة التي أتاحت لأبي بكر البغدادي أن يعلن «دولة الخلافة» على أجزاء واسعة من العراق وسورية. نسي المالكي أن أبناء الإقليم يقيمون في الجحيم من الموصل إلى عرسال، وأن المطلوب هو إغلاق أبواب الجحيم بعدما فتحت على مصراعيها.
لنذهب إلى واقعتين: الأولى بعد انهيار وحدات من الجيش العراقي واستيلاء «داعش» على ترسانة عسكرية مذهلة قرر المالكي طلب المساعدة من الأميركيين. قال مسؤول عراقي لمحاوره الأميركي أن «داعش» حالة شديدة الخطورة على العراق وجيرانه وكذلك على الغرب. وطلب أن تسارع أميركا إلى اتخاذ قرار يقضي بشن غارات على مواقع التنظيم الإرهابي لتمكين الجيش العراقي من استعادة المناطق التي خسرها. جاء الرد الأميركي قاسياً ولئيماً وبارداً. لا نستطيع تقديم غطاء جوي لجيش لا يمثل كل المكونات وينخره نفوذ ميليشيات طائفية موالية لإيران. وهذا يعني أن من ساهم في الانهيار لا يمكن أن يرعى عملية معالجته. لهذا اكتفت أميركا بإرسال مستشارين وأبقت الطائرات نائمة في مطاراتها.
الواقعة الثانية: في شباط (فبراير) الماضي حمّل مسعود بارزاني رئيس إقليم كردستان، سياسياً عراقياً بارزاً رسالة إلى المالكي على رغم تبخر الود السابق بين الرجلين. تقول الرسالة إن لدى أجهزة الإقليم معلومات مقلقة حول الوضع في الموصل ومحيطها. وإن تنظيم أبو بكر البغدادي يملك «خلايا نائمة» هناك، وإن إرهابيين يقيمون في بعض المناطق معسكرات تدريب. ولأن أمن الموصل يؤثر على أمن الإقليم فإن قوات البيشمركة مستعدة للتعاون مع الجيش العراقي لمعالجة الوضع هناك. وجاء الرد قاسياً ولئيماً وبارداً، وفحواه أن على مسعود أن يهتم بأمن الإقليم وحده.
هبت الرياح على غير ما يشتهي المالكي. استنتج المرجع الشيعي علي السيستاني أن تمسك المالكي بولاية ثالثة يعني دق مسمار أخير في نعش وحدة العراق ويهدد ما حققه الشيعة فيه، فأطلق سلسلة من الرسائل تحض على التغيير وتشكيل حكومة جامعة ومقبولة. وسمع رئيس مجلس الأمن القومي في إيران علي شمخاني خلال زيارته العراق أصواتاً شيعية تحذر من خطورة التمسك بالمالكي. ثم وصلت إيحاءات من المرشد الإيراني علي خامنئي تقول إن بلاده لن تسلك طريقاً مناقضاً لخيار مرجعية النجف. ولأن المالكي لم يظهر المرونة المطلوبة خلال لقاءاته مع شمخاني وقاسم سليماني، قال مسؤول إيراني إن بلاده تبحث عن بديل للمالكي.
رد المالكي على اتساع الرغبة في استبعاده بخطوتين، الاولى حين أمر سلاح الجو بمساعدة قوات البيشمركة في تصديها لـ «داعش»، في رسالة موجهة إلى الأميركيين. والثانية حين أطل أمس وكأنه يدافع عن القرار العراقي المستقل، في ما يشبه التحدي لإرادة طهران. أغلب الظن أنه قد تأخر، فطهران قادرة على تغيير الموازين داخل «ائتلاف دولة القانون» وربما داخل حزب الدعوة.
مُكلِف أن تطالب مسؤولاً عربياً بمغادرة مكتبه والابتعاد عن الأختام. يتضاعف الأمر حين يتعلق بالعراق وقدراته. تذكرت البارحة ما سمعته قبل أعوام من الرئيس علي عبد الله صالح. قال إن حكم اليمن «يشبه الرقص على رؤوس الثعابين». يعرف المالكي أن حكم عراق ما بعد صدام حسين يشبه الرقص على رؤوس البراكين الشيعية والسنية والكردية. لقب رئيس الوزراء السابق ليس ممتعاً، لكن على الحاكم أحياناً أن يتجرع الكأس المرة. الإفراط في العناد والتلويح بـ «أبواب جهنم» قد يغري بفتح الملفات وهي مليئة بالثعابين. معركة إسقاط «داعش» من الموصل إلى عرسال قد تفتح الباب لشطب لاعبين وتأهيل لاعبين.