علي الأمين
مشهد معراب مساء الاثنين كان مشهدا سياسيا متقنا. لقد بدا كأن القوات اللبنانية كانت تعد له منذ زمن، لجهة التنظيم واخراج المشهد التلفزيوني. حركة سمير جعجع بين الحاضرين، وما بدا انه تأخير في موعد وصول الجنرال ميشال عون الى معراب وتأخير موعد المؤتمر الصحافي. كانا من شروط اكتمال الصورة التي ارادتها القوات اللبنانية، لتصعيد المشهد ولايصال الرسائل الى المسيحيين واللبنانيين. هذا اللقاء الذي نجح طرفاه في تحويله الى لحظة تاريخية وقدماه على انه تلبية لمطلب مسيحي تتردد اصداؤه في كل بيت لبناني.
لم يكن مُخرج هذا الحفل السياسي والاعلامي غائبا عن تحضيراته وأدائه تظهير جملة صور وتوجيه اكثر من رسالة سواء لالى المسيحيين أو المسلمين، الحلفاء منهم والخصوم. سمير جعجع نجح في تقديم نفسه كزعيم مسيحي في لحظة راجت فكرة ان القوى الاسلامية هي من يسمي الرئيس المسيحي. فكرة نجح المروجون لها، سواء كانت حقيقية او مضخمة، بخلق مناخ مسيحي عام كان سلبيا تجاه تسمية الرئيس سعد الحريري لسليمان فرنجية كمرشح لرئاسة الجمهورية. لم تكن خطوة جعجع ترشيح العماد عون لتتم او لتأخذ هذا الصدى الايجابي في الشارع المسيحي لو لم يسبقه الحريري الى تسمية فرنجية في غفلة عن معظم حلفائه المسيحيين.
لقد حقق جعجع مكاسبه السياسية من دون ان يضمن أن تأييده الجنرال سيوصله الى سدة الرئاسة الاولى. هو لم يذهب الى الاتفاق مع عون قبل ان يحدد مضمونا سياسيا لهذا الترشيح تمثل في النقاط العشرة. وبذلك خفف من وطأة التهمة بأن موقفه ناتج عن نكاية سياسية وليس انطلاقا من رؤية واهداف سياسية. في "النقاط العشرة" اخذ جعجع من عون ما لم يستطع حليفه تيار المستقبل انتزاعه علناً من سليمان فرنجية، ولا من الحوار (الممل) الذي باشره منذ سنة مع حزب الله. واذا كان من اهداف تيار المستقبل في ترشيح فرنجية التزام الاخير باتفاق الطائف، فقد حققه جعجع في الحوار مع عون، واضاف اليه التزام بضبط الحدود مع سورية ومنع انتقال المسلحين في الاتجاهين، واكثر من ذلك الالتزام بقرارات طاولة الحوار.
علاوة على النقاط العشرة التي يشكل مضمونها اكثر ما يمكن ان تطمح الى تحقيقه قوى 14 آذار في اي حوار مع الشريك في 8 آذار، كان جعجع موفقا حين خرج من بكركي امس وذكر بلغة مهذبة بالتزام حزب الله دعم العماد ميشال عون. ومن المكان نفسه حيث قال رئيس المجلس السياسي لحزب الله إن حزب الله لديه التزام اخلاقي في دعم ترشيح العماد عون، لم ينس المرشح المنافس، فرنجية، وذكره بأنه وعد بدعم عون في حال توفرت شروط نجاح معركته. وبذا يكون جعجع قد وضع الاستحقاق الرئاسي على سكة الحل سواء فاز عون او فاز مرشح آخر. فترشيح عون، بهذا المعنى، هو خطوة ايجابية لأنها تفتح باب مجلس النواب المغلق عمليا منذ عام و7 اشهر، دون انتخاب رئيس. واذا لم يفتح ابواب المجلس فهو سيكشف من هم المعطلين ولماذا.
من هنا يمكن القول بثقة ان ترشيح عون، بالمعنى السياسي، يستكمل تسمية الحريري لفرنجية. اي ان الخطوتين، وان بدتا متقابلتين، الا انهما تذهبان في اتجاه واحد، وهو لبننة الاستحقاق الرئاسي. كما اضافت خطوة ترشيح جعجع لعون اعادة الاعتبار الى الوضعية المسيحية في العملية الانتخابية، من دون ان يظهر ان هذه الخطوة جاءت بايعاز اقليمي او دولي، بل تبدو لبنانية ومسيحية بامتياز. هكذا احرجت هذه الخطوة حلفاء الطرفين وفرضت عليهما خيارات صعبة. فيما شكلت النقاط العشرة الارضية اللبنانية التي تؤهل عون وجعجع الى الانتقال من مرحلة سيئة في دور المسيحيين، وهي استثمار كل منهما في الصراع السني - الشيعي، نحو محاولة بناء تفاهم سياسي يقوم على الاستثمار في المصالحة السنية- الشيعية في لبنان. وذلك على اسس وقواعد الدولة وتثبيت اتفاق الطائف. فالشكوى من التبعية المسيحية السياسية لهذا الانقسام الاسلامي ليست مسؤولية سياسية اسلامية، بل هي مسؤولية مسيحية بالدرجة الاولى. ثمة فرصة لاستعادة حيوية الدور المسيحي. دور مهما اختلف عليه الآخرون منذ نشأة لبنان، الا انه اتسم بسمة اساسية في مراحل صعوده، وهي انه كان ملازما لشرط الدولة وعصبيتها. وهذا ما يحتاجه المسلمون ولبنان اليوم.