علي الأمين
بخلاف دول اخرى كالعراق ولبنان واليمن، حيث هناك جماعة شيعية وازنة، تفتقد ايران الحاضن الاجتماعي في سورية. لا بل ان التململ السوري من النفوذ الايراني برز اخيرا من داخل النظام. ودفع المتململون ثمن تعبيرهم العلني عن رفض ازدياد هذا النفوذ. هذا ما نقل عن الضابط المعروف رستم غزالي قبل اقالته وموته بطريقة اقل ما يقال فيها انها غامضة. وهذا ما نسب الى غيره من الضباط الذين يشكلون دائرة النظام الضيقة. فضلا عن اقاويل كثيرة يتم تداولها في اوساط سورية مختلفة وبخلفيات متعارضة تؤكد كيف ان نظام بشار الاسد قد سلم كل ما لديه من سلطة فعلية الى القيادة الايرانية.
يعلم الجميع ان النفوذ الايراني في المنطقة العربية دخل من بوابة شيعية، واسس قواعد تحكمه وسيطرته في داخل الجماعة الشيعية. خصوصا ان المشروع الايديولوجي الذي روّجت له ايران واعتمدته يستند في اسسه العقائدية الى فكرة الامام، التي نجحت ايديولوجيا من خلال ولاية الفقيه في اعادة انتاج شروطها التاريخية على قاعدة التمايز عن الأمة. وهي شروط حوّلت الجماعة الشيعية في الوعي الايديولوجي الجديد الى أمة بذاتها. وهذا ما يفسر اضفاء مصطلح "امة" على حزب الله في بداية تأسيسه. اذ كان الاسم المتداول في تلك المرحلة "امة حزب الله". ونجح مشروع ولاية الفقيه ان يخاطب داخل المخيلة الشيعية كل معوقات الاندماج في الاطار الوطني او على مستوى الأمة. وجعل العقيدة الامامية تتحرك في دائرة اللاوعي عبر اسقاطات ايديولوجية على شيء عيني.
في سورية تفتقد ايران الى هذه الحاضنة الاجتماعية. والطائفة العلوية تنتمي الى مكون آخر. ولم يظهر في الطائفة العلوية، بالمعنى الاجتماعي والعقيدي، ما يشير الى تفاعل على هذا المستوى مع الايديولوجيا الايرانية. وبدت العلوية مكون آخر وبعيد. ولم تحقق هذه الايديولوجيا خرقاً يمكن الركون اليه في السياسة الايرانية داخل الاقليات التي تنتشر في الجغرافيا السورية، ومن بينها المسيحيين.
ايران في سورية دخلت الى مركز القرار مباشرة، عبر الرئيس حافظ الاسد الذي تعامل مع هذا النفوذ بما يخدم مصالح النظام، ويحول دون تمدد نفوذه بما يهدد هوية النظام وسياساته. مرحلة الابن بشار الاسد فتحت الباب امام ادلجة النظام والسياسة السورية. حتى بدا الرئيس ابن الرئيس مسلما بشكل شبه كامل لايران. وفقد حتى الهامش الذي تلاشى بشكل شبه نهائي مع انطلاق الثورة السورية. وحين فاجأت الثورة السورية الكثيرين، وأولهم ايران، ادركت القيادة الايرانية ان استثمارها الفعلي ورصيدها الوحيد هو في رأس النظام واجهزته، واكتشفت ان انهيار النظام يعني بالضرورة خسارة القيادة الايرانية لنفوذها في سورية.
اندفعت ايران بقوة في سياسة شيطنة الثورة السورية. كان هذا السبيل وعملت بكدّ من اجل فرض معادلة جديدة في سورية عنوانها "الحرب على الارهاب". اذ ليس من فرصة لاستنقاذ النظام من المصير المحتوم، سوى تشجيع النظام على اعتماد سلوك عنفي استثنائي يدفع نحو نشوء ظواهر اجتماعية وعسكرية متطرفة يقتنع الغرب والعرب بعد قيامها بأن بديل نظام الأسد لن يكون الا الجماعات الارهابية. وبالتالي فان في ذلك فرصة لبقاء الأسد. وهذا ما يفسر كيف ان النظام السوري ومن خلفه ايران سعيا الى دعم كل ما يؤدي الى اضعاف المعارضين المعتدلين، وتوفير كل الشروط التي تؤمن تمدد نفوذ الجماعات المتطرفة والارهابية في سورية. وتغطية ايران لكل الجرائم التي ارتكبها نظام الاسد ضد شعبه تكشف ان القيادة الايرانية ليس لديها رصيد في سورية سوى رأس النظام. وسقوطه يعني نفاذ هذا الرصيد.
هذا المسار الذي نجح في احداث خروق ضمن المجتمع الدولي، فشل تماما اليوم، وعاد بقوة خيار الربط بين القضاء على الارهاب بالتلازم مع اسقاط بشار الاسد. وجاء بالتوازي مع تحول نوعي في اداء المعارضة وفصائلها العسكرية ادى الى ما ادى اليه من تفوق ميداني وتقدم على اكثر من جبهة. وهو سلوك احدث صدى لدى الدبلوماسية الغربية، التي بدأت فكرة اسقاط الأسد تتحول الى شرط لا بدّ منه في اي تسوية سورية محتملة.
من هنا فقدت معركة القلمون، التي يستعد لحزب الله لخوضها، ايّ "رهجة". وتبدو معركة اعلامية اكثر منها ميدانية. عنصر المباغتة غير متوفر. وهي تفتقد ايّ وزن استراتيجي. وباتت محاولة لرفع المعنويات ليس اكثر. الهزيمة الاستراتيجية وقعت في سورية وحزب الله بهذا المعنى انجز هزيمته في سورية. ليس لأنه فقد الكثير من قدراته العسكرية، بل لأنه ببساطة عاجز عن ان يشكل بديلا عن فقدان ايران للبيئة الحاضنة السورية. الاستثمار ببشار الاسد هو ما تبقى لحزب الله وللقيادة الايرانية
لكن هذا النظام يثبت كل يوم انه فاقد لشروط الحياة والاستمرار.