علي الأمين
بعد الخيبة التي طالت النظام السوري في ريف حماه وفي المناطق المحاذية لجسر الشغور ومناطق القريبة من ريف حمص وادلب، نتيجة عجز الجيش النظامي عن استعادة المناطق التي خسرها قبل اشهر قليلة، بدأ الحديث عن هجوم ايراني سوري روسي لاستعادة حلب، جرى التمهيد له بنشر صور لقائد لواء القدس قاسم سليماني مع عشرات من جنوده يرجح انها في ريف اللاذقية، وعبر غارات جوية للطيران الروسي، مع نقل وكالة رويترز معلومات تشير الى استجلاب نحو ثلاثة آلاف مقاتل ايراني لخوض معركة حلب.
ليس هذا فحسب، بل شهد محيط حلب وريفها، خلال الايام القليلة الماضية، تقدما لمقاتلي تنظيم الدولة الاسلامية على حساب مقاتلي الجيش الحر وغيرهم ممن يندرجون ضمن تسمية المعارضة المسلحة المعتدلة. وتحدثت معلومات عن تسليم "داعش" بعض المواقع التي احتلتها في حلب الى جيش النظام.
لا شك ان المشهد السوري، منذ الدخول الروسي الميداني على خط الأزمة، يتفاعل ضمن طبيعة مركبة للازمة يتداخل فيها اكثر من لاعب دولي اقليمي.
لكن يمكن ملاحظة ان الاستعراض العسكري الجوي الروسي لم يثر قلق الاميركيين. فهم لم يوافقوا على الدخول الروسي لكن لم يعترضوا ايضا. وعبَر موقف وزير الخارجية الروسي، قبل يومين، عن طموح الروس لتنسيق كامل مع الاميركيين في روسيا، حين قال إن الاميركيين رفضوا ارسال وفد عسكري اميركي الى موسكو، كما رفضوا استقبال وفد روسي عسكري في واشنطن بغية التنسيق في الميدان السوري. واكتفى الاميركيون بحدود من التنسيق الجوي المقتصر على منع وقوع الخطأ بين طائرات الطرفين في الاجواء السورية.
الموقف الاميركي المتهاون حيال التدخل السوري، مع رفضه التنسيق، ينطوي على رغبة في استدراج الروس الى الميدان لمزيد من التورط والغرق في الوحول السورية من جهة، وعلى اطمئنان اميركي بأن الانخراط الروسي في سورية لن يقلب الموازين العسكرية والسياسية من جهة أخرى.
في المقابل تبدو الجبهة الروسية الايرانية السورية عبارة عن كشكول غير متناغم، كل طرف لديه عقيدة مختلفة ولا يثق بنوايا الطرفين الآخرين، ايران بأيديولوجيتها الشيعية، والروس بحساباتهم الاستراتيجية، الذين لا يريدون ان يكونوا معادين للعرب السنّة، والنظام السوري العلوي الذي يريد ان يحافظ على وجوده مهما كلف من أثمان. لا يعني ذلك ان هذا الكشكول لا يمكن ان يحقق اختراقا عسكريا وتقدما في بعض الجبهات وربما في حلب، لكن التجارب السابقة تخبرنا ان قدرة الجيش النظامي ومقاتلي حزب الله وغيرهم، من المنضوين ضمن القوة الايرانية، عاجزة عن المحافضة على السيطرة في مناطق شاسعة. فضلا عن ان المعارضة السورية، التي تخوض المواجهة، هي بنت الارض واكثر قدرة على الصمود من الطرف الآخر.
لا شك ان المنظومة الايرانية تتقن لعبة الحرب النفسية. فبث المعلومات عن حشود ايرانية وعن استعدادات لهجوم بري على حلب، هي من ادوات الحرب النفسية. ومن يريد ان يحقق نجاحا في معركة ما لا بد ان يكون عنصر المباغتة اساسيا لديه. السرية ضرورية في جبهة ممتدة كجبهة حلب. وعلى الأرجح، بحسب مصادر دبلوماسية غربية متابعة، ان الهجوم الايراني هو اعلان حضور وسط احتلال المشهد الروسي الواجهة السورية.
الذي كشفته التطورات الميدانية لا يؤشر حتى الآن الى تحول في التوازنات العسكرية، لكن يؤشر بوضوح الى حقيقة كانت قائمة وتؤكدها الوقائع اليوم، وهي التناغم بين النظام السوري وداعش. الملاحظ في معارك حلب خلال اليومين الماضيين، ان الطرفين يقاتلان المعارضة المعتدلة، من دون ان يصطدم احدهما بالآخر. بل المؤكد ان تنظيم داعش افسح في المجال للجيش النظامي في التمدد فوق بعض المناطق داخل حلب. الثابت ان ليس في برنامج داعش اسقاط النظام،. داعش تريد ان تقيم خلافتها الاسلامية بعد التخلص من معارضي نظام الاسد الاسلاميين وغير الاسلاميين، فيما النظام يرى الخطر في المعارضة المعتدلة التي تشكل الخيار السوري والدولي البديل عنه، بخلاف تنظيم داعش.
الدخول الروسي سيزيد المشهد تعقيدا بحسب تعبير دبلوماسي اميركي. التعقيد ليس في قلب موازين القوى، بل في تأخير الحل السياسي. بحيث ان المعارك ستستمر من دون تحقيق مكاسب سياسية.
المرجح ان القوى الخارجية المقاتلة على الاراضي السورية لن تحقق انتصارات. هي تحاول ان تكون شريكة في حل سياسي يقبل به الاميركيون والاوروبيون والدول العربية المعنية. احداث حلب لن تحمل تغييرا جديدا. هذا ما تؤكده اوضاع الجيش السوري المتدهورة وطبيعة الحشد الايراني المتواضعة وتمنع روسيا عن خوض معارك برية.