بقلم - حسن البطل
«فشروا!» هكذا عقّبت هنيدة غانم مديرة «مدار» - المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية، إذ سألتها، مداعباً، على هامش مؤتمره الأخير في رام الله: هل هذا المركز يقابل مؤتمر «هرتسليا» السنوي الإسرائيلي للأمن والمناعة القومية.
«مدار» تأسّس في رام الله العام 2000، وأضاف للمكتبة الفلسطينية والعربية دراسات وكتباً ونشرات صحافية نصف شهرية. مركز الأبحاث (م.ت.ف) تأسّس في بيروت 1965، وأضاف للمكتبة الفلسطينية والعربية دراسات وكتباً ونشرات.. ومجلة شهرية هي «شؤون فلسطينية».
أظنّ أن سؤالي لمديرة مركز «مدار» أجد جوابه في مركز الأبحاث الفلسطيني، ففي رام الله عقد مؤتمره السنوي الأول يومي 21 ـ 22 آذار (مارس) قبل عامين، وعن أعماله أصدر العام الفائت كتاباً ثريّاً معنوناً: «مراجعة استراتيجيات الحركة الوطنية الفلسطينية» يشمل تقييماً نقدياً واستراتيجياً من مرحلة ثلاثينيات القرن المنصرم، وحتى أداء القيادة في مرحلة الانقسام، مع موجز وقائع الجلسة الخامسة «نحو استراتيجية مستقبلية».
قُدمّت للمؤتمر 50 ورقة وتحدث فيه 48 شخصاً، من السياسيين والأكاديميين والمثقفين والخبراء يمثلون الطيف الفصائلي والوطني والمستقل، بينهم ثلاثة من نوّاب سابقين وحاليّين في الكنيست من قادة المجتمع الفلسطيني في إسرائيل، كان بعضهم قد تحدث في مؤتمر «هرتسليا» الإسرائيلي السنوي.
من بين المداخلات شارك د. يزيد الصايغ، الذي تحدث عن الفشل الأول للحركة الوطنية الفلسطينية في إنشاء هيئة منتخبة، أو وكالة عربية موازية للوكالة اليهودية. كتب الصايغ مؤلفاً ضخماً عن قصور وفشل الكفاح المسلح الفلسطيني في البحث عن الدولة المستقلة بعد أوسلو. المهم، أن زئيف شيف الراحل، أهم معلّق عسكري إسرائيلي في «هآرتس» خالف الصايغ، وقال: عودة عرفات والمنظمة إلى رام الله لا تقلّ عن نقلة استراتيجية.
أحمد قريع (أبو علاء) انتقد منتقدي أوسلو التي كانت، في رأيه، فرصة فلسطينية لا تقل عن استغلال الوكالة اليهودية لـ»وعد بلفور»، «من المحظور علينا محاكمة الماضي بحكمة متأخرة». قال.
لماذا لم نقبل قرار التقسيم الدولي؟ الرفض كان خطأً، لكن زياد أبو عمرو قال: لو كنت مسؤولاً آنذاك لعارضت، أيضاً. لماذا لم نعلن الاستقلال عندما كان عدد اليهود 5.6% من سكان فلسطين؟ سأل أحمد غنيم وقال: ما نعتبره وطنياً الآن، من الممكن أنه كان يعتبر خيانة في ذلك الوقت. أحمد عبد الرحمن قال: نجلد أنفسنا الآن، لكن أخطاءنا كانت لأننا لم نكن أصحاب قرار «لم نكن فلسطينيين». مانويل حساسيان قال: كانت زمن الانتداب 5 أحزاب ولكلّ عائلة حزبها.. الآن فصائل سياسية للشعب بكامله!
الجلستان الثالثة والرابعة كانتا مكرّستين لنقد أداء القيادة في مرحلة أوسلو والمفاوضات بعدها، ومراجعة أداء القيادة في مرحلة الانقسام. تحدث في الخامسة مدير مركز الأبحاث في مرحلتيه البيروتية والقبرصية، صبري جريس، الذي قال: منذ عشر سنوات وأنا أبحث عن الخطأ الذي أدّى للانقسام. ما هو؟ كنّا «صرّافين» وكانت «حماس» تقوم «بالجباية»، منذ أن شكلت «القوة التنفيذية» تمهيداً للانقلاب بعد فوزها في الانتخابات التشريعية. السبب كان تعديل قانون الانتخاب، وبموجبه حصلت «حماس» على أقلّ من 50% من الأصوات وثلاثة أرباع مقاعد البرلمان. «لماذا سُمح لـ»حماس» بدخول لعبة لا تعترف بقواعدها: التعددية. التشريع. المساواة .. وتداول السلطة»؟
في الجلسة الخامسة، تحدث رئيس لجنة المتابعة العربية، والنائب السابق محمد بركة عن «استراتيجية مستقبلية». قال: نحن نطمح إلى تكامل فلسطيني ـ فلسطيني، أي عن دور مليون ونصف المليون فلسطيني في إسرائيل له قياداته في لجنة المتابعة، والقائمة المشتركة، واللجنة القطرية. «نحن جزء من التكامل الفلسطيني، لكن لا ضرورة لأن نتمثل في اللجنة التنفيذية للمنظمة، أو في المجلس الوطني. نحن جزء من المشروع الوطني، لكن لا نستطيع أن نكون جزءاً من التقاطعات التنظيمية والتمثيلية. سنشارك في مركز الأبحاث، كما كل واحد فلسطيني آخر».
عن الصلحة قال: معادلتها يجب أن تكون: إما أن تُعطي «حماس» حكومة الوفاق كل الصلاحيات، وإما الاتفاق على موعد قريب للانتخابات. «صفقة القرن» هي دولة في غزة وتقاسم وظيفي في الضفة، ورشوة المجتمع الفلسطيني ببعض المال. هذه أضرار بالغة في المشروع الوطني الفلسطيني.
***
في كلمته نيابة عن رئيس السلطة، قال زياد أبو عمرو: مسيرتنا الوطنية خلال قرن لم تخل من الأخطاء الاستراتيجية، بعضها ذاتي، وبعضها الآخر في الظروف التاريخية والسياسية والموضوعية القائمة، أصبحنا أكثر فهماً للسياسة الدولية، وأصبحنا نراكم الإنجازات، ورقما صعبا في الإقليم والعالم.
تحدث محمد اشتية، بوصفه رئيس مجلس الإدارة الجديد لمركز الأبحاث: دولة الانتداب لم تسمح بقيام برلمان منتخب، وبقي نضالنا يفتقر للمأسسة، حتى تشكيل منظمة التحرير، أيضاً. استراتيجية إسرائيل مبنية على المفاوضات شكلاً، وتقويض إمكانية دولة فلسطينية فعلاً.
***
إسرائيل ليست بلا أخطاء استراتيجية في الموضوع الفلسطيني: أولاً، سمحت ببقاء 160 ألف فلسطيني بعد النكبة. ثانياً، احتلت الضفة ولم تنسحب منها، لو انسحبت لذابت الهوية الوطنية. ثالثاً، أخرجت الثورة الفلسطينية من لبنان، وكدنا نغرق فيه. رابعاً، وقّعت اتفاقية أوسلو، واعترفت بالمنظمة، لأن الصهيونية مبنية على نفي الآخر. خامساً، استقدمت «الفلاشا» وصار في المجتمع اليهودي نظام فصل عنصري.
كان يفترض عقد مؤتمر سنوي ثانٍ وثالث، لولا الانشغال بمقاومة «صفقة القرن»، ثم جائحة الـ»كورونا».. لكن مركز الأبحاث من أركان منظمة التحرير. عقد المؤتمر الأول مع ذكرى معركة الكرامة، وإصدار العدد 271 من «شؤون فلسطينية» بعد انقطاع منذ توقف مركز الأبحاث عام 1993 في نيقوسيا. المهم: أن النقد الذاتي والمراجعة تتوفر في السلطة الفلسطينية كما لا تتوفر في أي نظام عربي.