وليد شقير
تصر طهران على تكريس مبدأ خرق القرار الدولي الرقم 2216 المتعلق باليمن، وعدم الالتزام به. فهي تعتبره «بلا قيمة»، كما قال الأمين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصر الله. وهي لن تمل من سعيها إلى نسفه لأنه يتبنى خريطة طريق لمعالجة الأزمة تنطلق من المبادرة الخليجية وشرعية عبد ربه منصور هادي.
فمحاولتها إنزال طائرة قالت إنها مدنية محملة بـ «المساعدات الإنسانية» في مطار صنعاء واقتياد بحريتها سفينة ترفع علم جزر مارشال إلى الشواطئ الإيرانية، لمجرد أنها متعاقدة مع الجيش الأميركي على نقل معدات له، دليلان على ذلك مهما كانت التبريرات.
في الحادثة الأولى أرادت خرق القرار لجهة حظره توريد السلاح وما يتصل به من معدات ومقاتلين أو خبراء إلى اليمن. وحتى لو لم تكن الطائرة تقل الممنوعات التي وردت في القرار، فإن الجانب الإيراني أراد تكريس مبدأ عدم الامتثال لتوقيت الهبوط، وللأذن المسبق، وللتفتيش في أحد مطارات دول تحالف «عاصفة الحزم» (السعودية)، للاستعاضة عنه بالتفتيش في مطار صنعاء الذي يسيطر عليه الحوثيون وجماعة علي عبد الله صالح. تكريس مبدأ عدم الامتثال يتيح لها إرسال طائرات أخرى قد تحمل تلك الممنوعات باسم تقديم المعونة الإنسانية. ولو كان إرسال الطائرة بريئاً، لكانت طهران قبلت بكل تلك الشروط من أجل تمرير المساعدات التي ادعت أنها ترسلها.
في الحادثة الثانية شاءت أن تثبت أن نص القرار حول تفتيش السفن في البحار والممرات المحيطة باليمن من قبل دول الجوار، لا ينحصر بدول الخليج العربي التي كلفت التأكد من أنها لا تحمل أسلحة، بل إنها تعطي لنفسها حق الشراكة في أمن مضيق هرمز والمياه التي تؤدي إليه وضمان حرية الملاحة فيه. لكن حرية الملاحة بالنسبة إليها تعني حرية نقل الأسلحة والرجال وكل ما يسمح لها بقيادة الحروب من الخلف، وإلا هددت هذه الحرية بالنسبة إلى الآخرين. هذا ما يرمز إليه اقتيادها سفينة شركة «ميرسك».
أغرق الجانب الإيراني وسائل الإعلام في تفاصيل تقنية ولوجستية عن الحادثتين لا علاقة لها بما تضمره طهران كالعادة، وألحقها بمزيد من التصعيد في الحملة على السعودية وقادتها متوعداً إياها، في وقت يدعو إلى حل الأزمة اليمنية بالحوار.
أما جوهر المشكلة فيكمن في أن المكابرة الإيرانية لا تستطيع أن تتكيف مع وضع جديد نشأ بعد «عاصفة الحزم» التي أفقدت طهران كل ما سعت إلى تثبيته في الإقليم من أنها القوة الإقليمية الوحيدة التي يمكن للولايات المتحدة الأميركية أن تتكل عليها في ضبط أمن المنطقة، نتيجة النفوذ الواسع الذي اقتطعته على مدى العقود الثلاثة الماضية، وصولاً إلى انتشاء قادتها بوهم تحولها إلى أمبراطورية تحكم العراق وسورية ولبنان واليمن.
أملت بأن يكون ثمن تنازلاتها في الاتفاق الأميركي الدولي معها على ملفها النووي، التسليم بنفوذها هذا. ووجدت في الانكفاء الأميركي عن المنطقة فرصتها لمواصلة تصدير الثورة. لكنها لم تتنبه إلى أن الاحتقان العربي الذي تسببت به سينفجر بوجهها حروباً مكشوفة مقابل الحروب بالواسطة التي تخوضها تحت مظلة مناصرة المظلومين ومقاومة إسرائيل، عبر عسكرة فئات وشرائح في الدول التي سعت إلى اختراق نسيجها العربي الهوية، فتسبّبت بانقسامها، وبتحوّل الأكثريات فيها إلى أعداء شرسين لها. ولم تستوعب القيادة الإيرانية أن الامتناع الأميركي عن التدخل العسكري المباشر في المنطقة لمعالجة أزماتها، بعد العراق وأفغانستان، بحجة أن أميركا «لا تستطيع أن تمحو كل أثر للشرور والفظاعات في العالم»، (باراك أوباما)، لا يعفي القوى الإقليمية من دورها. فالرئيس الأميركي أخذ يحرّض القوى الإقليمية على أن تلعب دورها، «لأننا لا يمكننا أن نحل مكان شركائنا العرب في ضمان أمنهم في المنطقة». وما يسمى «اليقظة العربية»، سمح للمعارضة السورية بأن تعدّل في ميزان القوى في بلاد الشام، عبر توحيد الدول الخليجية سياساتها حيال الفصائل السورية وعبر المزيد من التسليح النوعي الذي أخذ يظهر عند مقاتليها.
في تبرير التوسّع الإيراني كان مناصرو إيران يعيبون على القادة العرب تقاعسهم عن أخذ دورهم، وحين حزموا أمرهم أخذوا يشتمونهم لأنهم خرجوا من تردّدهم، مستظلّين الشرعية الدولية.
ردّ الفعل الإيراني كما تدلّ حادثتا الطائرة والسفينة، وتوعدّ الرياض بالردّ، يشي بأن طهران تذهب بالصراع إلى حافة الهاوية، وبأنها تريد لليمن أن يبقى فريسة القتل. فهل تستدرج قراراً دولياً جديداً يوسّع نطاق التدخل الإقليمي ليشمل نزول قوات على الأرض تشترك فيها جيوش غير عربية؟ فالدول التي أخذت القرار 2216 يستحيل أن تقبل بهبوط الطائرات الإيرانية في صنعاء لنقل السلاح مجدداً.