وليد شقير
لم يمض بضع ساعات على ارفضاض اجتماع فيينا بين دول 5+1 مع المفاوض الإيراني، حتى عُقد اجتماع آخر في العاصمة النمسوية للدول المصدرة للنفط «أوبك»، من أجل بحث رفع عدد من الدول النفطية إنتاجها من الذهب الأسود، لا سيما الدول الخليجية مدعومة من أميركا وانعكاسه انخفاضاً حاداً في أسعاره، في مقابل اقتراح «المحور» الآخر المتمثل بروسيا وإيران وفنزويلا، خفض هذا الإنتاج.
قد لا يرى البعض علاقة بين الاجتماعين سوى أن عنوانهما هو الطاقة، الأول للنووية منها والثاني للنفطية، إلا أن العلاقة سياسية من الدرجة الأولى.
يختزل التفاوض خلال الاجتماعين الكثير مما يدور على المسرحين الدولي والإقليمي ويتصل بسياسات الدول المؤثرة في العديد من ميادين الصراع بين المحورين، من أوكرانيا مروراً بأفغانستان وصولاً الى العراق وسورية... إلخ.
لم يعد سراً أن أحد أوجه انخفاض أسعار النفط بفعل رفع الإنتاج بات وسيلة ضغط على روسيا وإيران والدول في الصراع المفتوح على هذه الأزمات الإقليمية، فهو انخفاض يؤثر في اقتصاديات عدد من الدول، فضلاً عن أنه عامل ضغط يضاف الى العقوبات الغربية على موسكو، وعلى طهران.
كثر تساءلوا عن مغزى تمديد التفاوض على الملف النووي الإيراني 7 أشهر، وليس أقل أو أكثر. وبعيداً من «نظرية المؤامرة»، لا بد من تسجيل حرص فريقي التفاوض على استمرار مسار التفاوض بدل المواجهة على النووي. فاحتمال المواجهة، العسكرية والأمنية، بات من الماضي، في قاموس الفريقين، بين «الشيطان الأكبر» و «محور الشر». وهذا ما يفسر تصريحات جون كيري، والرئيس حسن روحاني، بأن حصول تقدم كبير في المفاوضات هو الذي أوجب تمديدها. إلا أنه لا بد من الملاحظة أيضاً أن الخلاف بين الدول الكبرى وإيران، على حجم رفع العقوبات عنها والإفراج عن أرصدتها المالية يتصل بالشق الذي يفترض أن يتبع أي اتفاق معها يكرّس سلمية برنامجها النووي، أي الوضع الإقليمي والحدود التي يتوجب رسمها لانفلاش نفوذها. فمن وجهة النظر الغربية، والعربية، يتعيّن ألا تستفيد طهران من ذلك في شكل يريح اقتصادها المأزوم، ويدفعها الى التشدد باعتبار حدود انفلاشها الإقليمي طبيعية ومكاسب لا رد لها، في وقت يعتبر الغرب ومعظم الدول العربية أنها تجاوز للحدود.
الأشهر السبعة فسحة لكل الفرقاء من أجل محاولة تحسين المواقع أو الثبات عليها، ومواجهة الضغوط المتبادلة واستيعاب نتائجها واحتوائها، كل على طريقته. هي تمديد للتفاوض، وفي الوقت ذاته لتبادل الضربات والحروب بالواسطة، حيث أمكن... مع الإبقاء على مظلة التفاوض. فرصة للمتشددين في واشنطن حيال طهران وسياسة باراك أوباما تجاه سورية... وفرصة لمتشددي طهران إزاء درجة الانفتاح على السياسة الأميركية ودرجة التنازلات الممكنة نووياً وإقليمياً. وإذا كان الحرص على إبقاء خيار التفاوض فرض الإفراج عن 5 بلايين دولار من أموالها (700 مليون كل شهر) لتقوية موقع روحاني في مواجهة المتشددين، فإن طهران ستسعى الى التعويض عن ضآلة هذا المبلغ في موازنتها للعام 2015، والتي تبلغ 300 بليون دولار (المعرضة لمزيد من العجز لأنها وضعت على أساس سعر برميل النفط بـ100 دولار بينما انخفض سعره الى ما دون 80 دولاراً)، بالتحايل على عقوبات التصدير عبر المبادلة مع الصين وروسيا ودول أخرى بالبضائع، وعبر شراء نفط العراق الذي تسيطر عليه «داعش» بأسعار بخسة لاستهلاكها الداخلي. فتقارير الـ «سي آي إيه» عن تحقيقات مع ضباط أسرى من «داعش» أفادت بأن التنظيم باع ويبيع النفط عبر تركيا لتجار إيرانيين في السوق السوداء.
وفي خلال الأشهر السبعة ستسعى موسكو الى الإفادة من فشل الاتفاق الذي كان يمكن أن يُضعف حضور إيران في الصراع الإقليمي الذي يعتمد عليه القيصر الروسي في تثبيت نفوذه الإقليمي، عبر اقتراح الحلول لسورية التي تثبِّت بشار الأسد في السلطة. وهي فرصة في المقابل لامتحان قدرة واشنطن على إحداث توازن على الأرض في بلاد الشام بين النظام والمعارضة المعتدلة، إذا مضى أوباما في وعده بتدريبها وتمكينها، تمهيداً للحل السياسي الذي يضمن مرحلة انتقالية بحكومة كاملة الصلاحيات...
الأشهر السبعة مهلة للجميع، لاختبار مدى نجاح الحرب على الإرهاب و «داعش» ولجدية اشتراكهم فيها، وهي فرصة للفريق العربي الشريك في رسم ملامح المرحلة المقبلة في المنطقة، كي يرتب أوضاعه مع ما تقتضيه هذه الشراكة.
تمديد التفاوض قد يشهد مزيجاً من الحوار والانفتاح واستخدام القوة الناعمة بموازاة إلحاح محاربة الإرهاب الذي فرض تمديداً للمهمات القتالية الأميركية في أفغانستان الى ما بعد التاريخ المفترض لانسحاب القوات الأميركية منها بعد أسابيع.