بقلم - سحر الجعارة
غالبية الأطفال فى السنوات الأولى من أعمارهم يتصرفون بنفس السلوكيات، نفس البراءة والعفوية، الأحلام المتشابهة بدمية أو طائرة، نفس المخاوف من الظلام، من غياب أنفاس الأم.. نفس الاحتياج العاطفى والاجتماعى للأسرة، البحث عن «القدوة».. حتى قصص الغرام البريئة.
حتى سن المراهقة لا تعرف الطفلة أن «الرقص» عيب، ولا يجرّم الولد أوراقه الملونة باسم زميلته فى الفصل.. لكننا على ما يبدو فقدنا البراءة، كل شىء فى حياتنا تحول إلى سلعة.. حتى «الأحلام».. إنه عالم السوشيال ميديا!.
فى عالم السوشيال ميديا لكل شىء «مقابل»، (على اليوتيوب أو إنستجرام أو تيك توك.. إلخ)، العِبرة هنا بعدد المتابعين ونسب المشاهدة، بغض النظر عن «قيمة المحتوى»: السياسة تتساوى بالعرى، والدين بالجنس، والفن بالطهى.. المهم أن تسجل «رقمًا» فى نسبة مشاهدة أى حدث حتى لو كان كارثة أو جثة.. هكذا تحول الطفل «محمد» إلى «شىء»!. هذا «الشىء» كليب يروى فيه «محمد» نزاعًا مع زميله «ياسين» فى الفصل على قلب زميلته «بسنت» بهدايا لن تخرج عن كونها «مصاصة أو شيكولاتة».. وانتهت المعركة ببوكس أسقط أسنان «محمد» الذى يروى لأبيه «سره» بحرقة.. يتلعثم فى الكلام وتخرج الحروف من حلقه مكسرة «بحكم السن».. لكن الأب «فنان شعبى» يعرف كيف يستغل هذا «السر» ويجعله مثارًا لسخرية الجميع، ويتحول الفيديو إلى فيديوهات!.
إنها صناعة جديدة فى «الإعلام الموازى»، الذى أفرز نجومه بلا أى ضوابط أو رقابة أو قانون يحكمه، اللهم إلا «الرقابة الشعبية» التى تضغط أيضا بنفس الأداة «السوشيال ميديا»، لحجب فيديو أو صورة ينتهكان حقوق الطفل أو المرأة أو يروجان للعنف أو الكراهية. وكأننا أمام فريقين، أحدهما يحترف صناعة «القبح» والترويج للخرافة والتطرف الفكرى والدينى، والآخر يتصدى للدفاع عن الإنسانية والقيم النبيلة.
«محمد» هو تجسيد لتلك المعركة المتكررة، التى يفرض مفهوم «الحرية» نفسه خلالها كل مرة، وتتصارع كل الأضداد: التنوير ضد خفافيش الظلام، الإبداع ضد «المخدرات الفنية»، الحرية ضد الفوضى.. هذا بخلاف مواقع جماعة الإخوان الإرهابية وما تبثه من شائعات وأكاذيب.. إلخ. كل من ابتعدوا عن الإعلام الرسمى سوف تجدهم بشكل عشوائى على السوشيال ميديا: (الداعية الذى مُنع من الشاشات يتربح 180 ألف جنيه شهريا من اليوتيوب، والمغنى الذى رفضته نقابة الموسيقيين لعدم إجادته القراءة والكتابة يتجاوز الـ 100 ألف دولار شهريًا ومن بعده أغانى المهرجانات، وقِس على ذلك «فوتوسيشن سقارة»، أو رقصة خليعة أو سحل حيوان أو ضرب امرأة).
هذا العالم حقق معادلة «العرض والطلب»، حتى امتلك قانون (العرض أو الحجب) بكل ما فيه من معرفة أو تغييب ليس هو قضيتنا.. القضية هى فيديو «ياسين وبسنت» الذى تحول إلى بلاغ من المجلس القومى للطفولة والأمومة، لمكتب حماية الطفل بمكتب المستشار النائب العام، تحت عنوان «واقعة استغلال الطفل من قبل والده المطرب الشعبى».
وبحسب الدكتورة «سحر السنباطي»، أمين عام المجلس القومى للطفولة والأمومة، فإنه قد تم رصد قناة على موقع «يوتيوب» تتضمن نشر فيديوهات بها إساءة وبث للعنف بين الأطفال، بالإضافة إلى نشر الصفحة الخاصة بذلك المطرب على «فيسبوك»، بالإشارة إلى بث مهرجان غنائى بعنوان خادش للحياء العام سيكون بطله الطفل نفسه موضوع الفيديوهات، وذلك ما أثار استياء شديدا من هذه الأفعال غير المقبولة.
وأضافت «السنباطي» أن استغلال الأطفال من أجل التربح والشهرة هو أمر مخالف لأحكام قانون الطفل وبما فى شأنه تعريض طفل للخطر، ومخالف لحكم المادة 291 من قانون العقوبات المصرى فيما يتضمنه من حظر المساس بحق الطفل فى الحماية من الاتجار به أو الاستغلال الجنسى أو التجارى أو الاقتصادى. لقد فتح «محمد» دون قصد ملف استغلال الأطفال فى الميديا أو فى التسول أو النشل بالشوارع، والإكراه والعنف لاستثمار الطفولة بأبشع الوسائل.. وهو ملف ضخم يعجز القانون عن مواجهته، لكن السوشيال ميديا فعلته.. ويبقى التناقض: محاكمة الأب فيما لاتزال الفيديوهات متاحة على اليوتيوب ويتربح منها