قال اللورد أكتون: السلطة مفسدة، والسلطة المطلقة مفسدة مطلقة.
وقال روبرت دال: تداول السلطة سلمياً أهم فضائل الديمقراطية، فإن ظل الرئيس أو الحزب فى السلطة فترة طويلة حتى لو عبر انتخابات ديمقراطية، فإن لذلك آثاراً سلبية على هؤلاء بما يجعلها أقرب إلى ديكتاتورية انتخابية.
تذكرت هاتين المقولتين وأنا أقرأ عن مذكرة أرسلت إلى عدة مدارس فى العاصمة التركية أنقرة، تطالب بالخروج بمسيرة إلى القصر الرئاسى احتفالاً بعيد ميلاد الرئيس التركى رجب طيب أردوغان، ما أثار احتجاجاً من جانب أحزاب سياسية معارضة.
فقد قدم حزب الشعب الجمهورى التركى المعارض مذكرة برلمانية للتحقيق مع وزير التربية نابى أفجى، بشأن ما إذا كان قد سمح بإرسال مذكرة للمدارس تطالب الطلاب بالخروج فى مسيرات للاحتفال بعيد ميلاد «أردوغان».
وكانت وسائل الإعلام التركية قالت إن مديرية تعليم إيستيمسغوت أرسلت مذكرة موقعة من مسئول المديرية توغاى غوزوم إلى عدة مدارس، يطالبهم فيها بإرسال طلاب للاحتفال بعيد ميلاد أردوغان.
ووفقاً للخطة، سيخرج الطلاب والمعلمون فى مسيرة من مقر قيادة الدرك فى بيشتيبى، إلى القصر الرئاسى يوم 26 فبراير، بحسب ما ذكرت صحيفة «حرييت ديلى» التركية، الناطقة بالإنجليزية.
وقدم نائب رئيس الحزب ليفنت غوك طلب المساءلة على خلفية تقارير إعلامية بأن مديرية التعليم فى إيستيمسغوت وجهت مذكرة لعدة مدارس فى أنقرة لإخراج 2023 طالباً من المدارس فى مسيرة إلى القصر الرئاسى فى السادس والعشرين من فبراير الحالى احتفالاً بعيد ميلاد أردوغان.
أما العدد 2023 فهو رمزى للحكومة وينسجم مع «رؤية 2023»، وهى الرؤية التى تتضمن قائمة أهداف كان أردوغان قد أصدرها عندما كان رئيساً للوزراء، لتتزامن مع الذكرى المئوية لجمهورية تركيا عام 2023.
وفى طلب المساءلة البرلمانية طلب «غوك» معرفة ما إذا كان الوزير «أفجى» خطط لسحب المذكرة، كما طلب معرفة كيف سيتأثر الطلاب والمعلمون المحتفلون بعيد ميلاد أردوغان فى ظل تزايد التهديدات الإرهابية فى المدينة.
وفى الأثناء هدد نائب رئيس الحزب الجمهورى المعارض فى مدينة إسطنبول، غورسل تيكين، فى بيان مكتوب، بأنه سيرفع قضية جنائية ضد السلطات، ما لم تسحب مذكرة عيد الميلاد.
وأشار «تيكين» إلى أن الحق فى التعليم هو الحماية بموجب الدستور، وأن المذكرة المتعلقة بالاحتفال بعيد ميلاد أردوغان تنتهك هذا الحق.
المعضلة التى تواجه هذه المنطقة من العالم أن جيناتها التاريخية تأقلمت مع فكرة الحكم المطلق سواء كانت هناك مظلة خارجية ديمقراطية أم لا.
ولكن ما قد يحسب لبعض الحالات أن الحكم المطلق قد يأتى معه نهضة اقتصادية واستقرار سياسى. وهما وإن كانا لا يصلحان بديلاً عن الديمقراطية، لكن الكثير من الشعوب يرون أن المفاضلة لو كانت واقعة لا محالة، فإن النهضة الاقتصادية والاستقرار السياسى أهم من الديمقراطية، ذلك أنهم ببساطة لم يجربوها على النحو الذى يجعلهم يدركون أهميتها.
وهنا يكون الأمل الوحيد أن تكون النخبة السياسية من النضج السياسى بحيث تختار الديمقراطية نظاماً للحكم حتى وإن لم يكن عليها طلب من قبل الجماهير، وأن تدرب المواطنين على قيمها وسلوكياتها.