كتب الدكتور أحمد خالد توفيق مقالاً مؤلماً وكأنه رسالة مفتوحة إلى السيد وزير الصحة. يقول الرجل:
لن أذكر أسماء أدوية حتى لا يُقال إننى أستغل مساحة المقال لمشاكلى الخاصة، أو إننى من الطراز الذى يسوّد المقالات بسبب اختفاء «الفواجراه» من السوق مما يفسد شهيته. القصة ببساطة هى أننى أعتمد على عقارين للقلب بالغى الأهمية.. اعتمادى من نوع حياة أو موت. طبعاً لا بد أن يختفى العقاران من السوق نهائياً. تدخل كل صيدلية وتسأل، فينظر لك الصيدلى ويبتسم ويهز رأسه:
ـ«ناقص والله بقى له فترة..»
ـ«والبديل؟»
ـ«ناقص برضه».
أنا طبيب ويمكننى أن أذكر له ستة بدائل محتملة تحوى نفس المادة الفارماكولوجية، لكنها كلها (ناقصة برضه)..
تذهب لصيدلية أخرى فيرمقك الصيدلى فى غيظ بما معناه: «ليس هذا وقت المزاح والمسخرة والتذاكى.. أنتَ تعرف جيداً أنه غير موجود»، ويضرب كفاً بكف بعد انصرافك ويهمس لصاحبه: «لأ.. حدق قوى.. الناس دى بتستهبل».
لكن هذا أفضل من ذلك الصيدلى الذى لا يرد عليك أصلاً.. لقد انتهى عصر الكلام مع واحد مثلك منذ زمن.
هكذا أكتشف أننى سأموت بعد ثلاثة أيام مع انتهاء آخر ستة أقراص لدىّ. أتصل بأساتذة القلب الذين يتابعون حالتى فيقترحون فى بشاشة اسماً لبديل.. أضع سماعة الهاتف دون أن أجرؤ على إخبارهم أن البديل غير موجود. لقد انتهى أمرى.. أنا «بطة ميتة» كما يقول الغربيون.
هكذا أدركت أن سياسة (كلب وراح) أو (بناقص واحد) التى تمارسها الدولة قد ظفرت بى أخيراً.
نحن كثيرون جداً ومزعجون، وليت مصيبة تأخذنا، أو كما يقول صديقى: «احنا بقينا ضيف تقيل عليهم، والمفروض بقى نخلى عندنا دم ونسيب لهم البلد، ويا بخت من زار وخفف».
الحقيقة أن فوضى اختفاء الأدوية متفاقمة بشكل غير معقول.
اعتدنا دوماً أن يكون هناك دواء حيوى مختف، وكنا نطلب من أقارب المرضى أن يفتشوا بعناية أو يذهبوا لمكتب الشكاوى أو يكتبوا لأقاربهم فى الخارج.
هذه مشكلتهم وعليهم حلها. لكن الملاحظ أن الأدوية التى تختفى هى الأدوية الحيوية التى لا بديل لها. أذكر أيام نقص الأنسولين الكئيبة، عندما كان على مريض السكرى أن يواجه الحقيقة ويعود لما قبل عصر (بانتنج) و(بست)، أو يصطاد كلباً ليفرم بنكرياسه ويحقن به نفسه. هناك دائماً مواسم تختفى فيها أدوية الغدة الدرقية.. وهى بالمناسبة أدوية رخيصة جداً وفعالة جداً والحرمان منها قاتل. ثمة قاعدة هى أن أى دواء رخيص ومفيد يوقف إنتاجه على الفور، وهى تطابق قانون مورفى القائل: «كل شىء جيد يجد من يوقف إنتاجه». فى العام 2013 رصدت وزارة الصحة نقص العديد من الأدوية فى السوق، واختفاء أكثر من 30 عقاراً حيوياً.
وكشف رئيس اللجنة النقابية للصيادلة الحكوميين فى أبريل 2014، عن اختفاء أكثر من 111 صنفاً دوائياً مهماً لعلاج الفيروسات والسكر والمضادات الحيوية المختلفة.
مؤخراً -الكلام لدكتور ميشيل حنا وهو صيدلى- لوحظ اختفاء دواء القلب إياه الذى لن أذكر اسمه درءاً للشبهات، واختفاء أقراص البوتاسيوم، واختفاء دواء ليفودوبا المهم لمرض الشلل الرعاش (باركنسون).
أما الطامة الكبرى فهى اختفاء محلول الملح Saline تماماً، وهو دواء جوهرى ويستخدم كمذيب توضع فيه الأدوية التى تعطى وريدياً. أى إنك فى المستقبل ستملأ قُلة ماء من الحنفية وتعلقها محلولاً للمريض.
أكتفى بهذا القدر من المقال وأرجو أن يكون هناك تصرف إيجابى من وزارة الصحة.