عريب الرنتاوي
في مطلع العقد الثاني من هذا القرن، وجدت تركيا داعماً عربياً لمشروعها في سوريا: دعم المعارضة وفصائل مسلحة من مختلف المرجعيات، حتى "الجهادية" منها، لقلب نظام الحكم والوصول إلى دمشق، والصلاة في مسجدها الأموي ... دول عربية عديدة، ساندت تركيا بأقدار متفاوتة: دول خليجية، الإخوان، مصر/ مرسي، تونس/ النهضة، فلسطين/ حماس ... تغيرت أحوال بعض هذه الدول، وتراجعت مكانة الإخوان المسلمين ونفوذهم، بيد أن دعم هذه الأطراف لتركيا، ظل متواتراً حتى بعد قيامها بتنفيذها ثلاثة اجتياحات للأراضي السورية: عفرين، "غصن الزيتون" و"نبع السلام"، واحتلالها مساحات واسعة من الشمال السوري.
في مطلع العقد الثالث من القرن ذاته، تقف دول عربية أخرى إلى جانب تركيا في سعيها تنفيذ اجتياح رابع للأرض العربية (أو خامس إذا احتسبنا اختراقها للحدود والسيادة العراقيين) ... هذه المرة، الاجتياح يتم لأراض عربية بعيدة عن حدود تركيا ومجالها الجغرافي، طرابلس الغرب، بل والغرب الليبي ... أنقرة، تجد في دولة خليجية واحدة سنداً لها، وجماعة الإخوان ما زالت على "بيعتها" لرجب طيب أردوغان، وزاد الطين بلّة أن دولة بحجم الجزائر تبدو "متفهمة/ مؤيدة" للتدخل التركي العسكري في ليبيا، وكذا الحال بالنسبة لتونس... يبدو أن العرب سيعيدون انتاج السيناريو السوري في ليبيا.
هذه المرة أصعب من سابقتها ... دول عربية عديدة (وبعضها من المفترض أنها وازنة)، تقف ضد الاجتياح التركي للغرب الليبي ... من قبل، لم يجد الاجتياح التركي للشمال السوري، مقاومة عربية واضحة، فالكل كان منخرطاً في حرب "الكل ضد الكل" ... تقزمت أحلام تركيا في سوريا بعد كل التطورات التي حصلت منذ خريف 2015، ولا ندري أن كانت أحلامها الليبية ستلقى مصيراً مماثلاً أم لا؟
العرب لا يتفقون على شيء، هذه حقيقة راسخة ... تتوزعهم محاور متصارعة، جميعها بقيادة غير عربية: واشنطن، موسكو، طهران وأنقرة ... حتى مع الغزاة والطامعين، ستجد دولاً عربية منحازة لهؤلاء على حساب "الأمن القومي" وسيادة أقطار "مؤسسة" في جامعة الدول العربية... وعبر هذه الشقوق الواسعة في جدار المناعة العربية، تتمكن دول غازية وطامعة (بمن فيها إسرائيل) من التسلل إلى عمق المصلحة القومية العليا، التي لم يعد أحد يعرف بمَ يُعرفها وكيف تُعرّف.
لا أحاديث رسمية "ضافية" تصدر عن تونس أو الجزائر عن مجريات الأزمة الليبية، هناك موقف عمومية، يتولى كتاب ومحللون مقربون من المؤسسة مهمة شرحها وتوضيحها ... ولعل أخطر ما سمعت قول أحد هؤلاء، من الجزائر، بأن انتشار الجيش المصري على الحدود الليبية مع الجزائر "خط أحمر"، ما يعني أن انتشار الجيش التركي على طول هذه الحدود وامتدادها، يبدو "خطاً أخضر" من وجهة نظر الرأي السائد في الدولة الشقيقة.
وفي الحقيقة أن كاتب هذه السطور، قلما تناول الأزمة الليبية فيما كتب ويكتب، فليس لديه تعاطف ظاهر مع أي من فريقي الانقسام الليبي ... مع المشير حفتر، سنشتاق كثيراً للعقيد القذافي، أقله لأن الأخير كان "مهضوماً ومسلياً أحياناً" ... أما مع حكومة السراج "المعترف بها دولياً"، فسيتعين علينا أن نتعايش مع ميليشيات وجماعات، رأينا ما الذي يمكن أن يصدر عنها من مواقف وسلوكيات، لا تذكرنا سوى بأسوأ فصول الحرب في سوريا والعراق وعليهما ... يبدو أن المأساة الليبية التي بدأت مع الفاتح من أيلول/سبتمبر 1969، مرشحة للاستطالة والتطاول، قبل أن تضع أوزارها وترحل، تاركة الليبيين يستأنفون محاولاتهم اللحاق بركب الاجتماع البشري.