عريب الرنتاوي
حصاد الجولة الأخيرة للمواجهة بين الولايات المتحدة وإيران، في العراق وعليه، جاءت لصالح الأخيرة تماماً ... واشنطن بلجوئها إلى الاستخدام المفرط للقوة، بقليل من الحساسية وكثير من الغطرسة، لم يأت رد فعلها على عمليات "التعرض الخشن" التي مارستها المليشيات المقربة من إيران، متناسباً مع الفعل نفسه... لقد أراد مارك إسبر استعادة القوة الردعية لقواته في العراق، بيد أن النتيجة جاءت بخلاف ذلك تماماً.
سقوط عدد كبير من الضحايا في صفوف "الحشد الشعبي"، وقيام واشنطن بتنفيذ عمليات حربية واسعة، من دون موافقة الحكومة العراقية، وبالضد من رغبتها، وبخلاف توصياتها، عمّق الإحساس بالغضب لدى عراقيين كثر، وليس فقط لدى أنصار إيران والمحسوبين عليها، وأعاد استحضار صوراً وذكريات من مرحلة الاحتلال الأمريكي للعراق.
لقد كانت إيران في "وضع سيء" في العراق، أعمدة نفوذها كانت تهتز تحت وقع الانتفاضة في بغداد والمحافظات الجنوبية ... لقد بدا أن القوى والمليشيات المحسوبة على إيران، تفقد حواضنها الشعبية ... كما بدا أن الشرخ بين مرجعية النجف والمرجعيات الإيرانية، يزداد اتساعاً... وكان واضحاً أن الحراك الشعبي قد بدأ يقطف ثمار انتفاضته برغم حمام الدم الذي أغرق فيه، والكلف الباهظة التي تكبدها... كل ذلك تغير بين عشية وضحاها.
ميدان التحرير الذي تحوّل إلى أيقونة لانتفاضة أكتوبر، سيشهد للمرة الأولى احتشاداً شعبياً موالياً للحشد وداعماً له ... شعارات "إيران برا برا"، تحولت إلى هتافات "أمريكا برا برا" ... موجة التعاطف مع أحد أهم قواعد الارتكاز الإيراني في العراق (الحشد الشعبي)، أكسبته زخماً جديداً، ومكنته من استعادة زمام المبادرة، ونقلته من موقع الدفاع إلى مواقع الهجوم.
لقد تلقت الانتفاضة العراقية ضربة قوية، جراء الفعل الأمريكي غير المحسوب ... وإن سار الحال على هذا المنوال، فليس مستبعداً أن تكون الانتفاضة ذاتها، أولى ضحايا الهجمات الأمريكية على مواقع "حزب الله العراقي".
أما الضحية الثانية، فربما تكون "الوجود الأمريكي ذاته"، إذ أن الطبقة السياسية العراقية التي كانت تعيش وضعاً حرجاً أمام مطالب الانتفاضة، ستجد نفسها أمام وضع لا يقل حرجاً أمام مطالب الحشد وأنصاره، وتحديداً لجهة إعادة النظر في الاتفاقات الناظمة للوجود الأمريكي في العراقي ... سيشتد الضغط على الحكومة العراقية، لتقليص هذا الوجود، وربما إنهاؤه، ولا نستبعد أن تصل المطالبات حد الدعوة لتقليص الوجود الأمريكي السياسي والدبلوماسي في العراق.
وعلى الرغم من سعي واشنطن تصوير ما حدث بوصفه فعلاً إيرانياً مدبراً، إلا أن كثرة من العراقيين، يجدون صعوبة في قبول هذه الرواية، أقله تحت إلحاح حالة الغضب التي تعتمل في أوساطهم، جراء ردة الفعل الأمريكية المستهترة بكرامة العراقيين وسيادة دولتهم ... إيران نجحت مرة أخرى، في الاختباء وراء موجة الغضب العراقية، وهي مرتاحة لقيام العراقيين أنفسهم بالتصدي للوجود الأمريكي، حتى وإن جاءت المبادرة والقيادة لهذه العملية، على أيدي جماعات وأحزاب وميليشيات محسوبة عليها.
مرجعية السيستاني التي لم يخل بيانها من انتقادات حادة لممارسات الحشد الشعبي، لم تكتف بإدانة العملية الأمريكية فحسب، بل وشددت على ان ضبط المخالفات والتجاوزات، هو واجب الحكومة العراقية، وليس القوات الأمريكية، مع أن هذه المرجعية، وطوال أشهر الانتفاضة، أظهرت دعمها للمنتفضين، وأبقت نفسها على مسافة من إيران وحلفائها وميليشياتها في العراق ... هذا الوضع تغير كذلك.
وليس مستبعداً أن تدفع هذه التطورات بالرئيس ترامب إلى سحب قواته من العراق، إنفاذاً لواحد من وعوده الانتخابية كذلك، سيما وان الرجل دخل في "مزاج" الحملة الانتخابية الرئاسية 2020.