عريب الرنتاوي
بوادر أزمة عميقة، تكاد تتجمع في أفق العلاقة الأردنية – الأمريكية، بعد قيام إدارة ترامب، بتبني رواية اليمين الإسرائيلي ورؤيته للحل النهائي للقضية الفلسطينية ... صفقة القرن، لا تمس بأركان المشروع الوطني الفلسطيني الثلاثة فحسب (العودة وتقرير وبناء الدولة المستقلة وعاصمتها القدس)، بل وتلحق أفدح الضرر بمصالح الأردن الاستراتيجية، وتمس أمنه واستقراره ونسيجه الاجتماعي وهويته وكيانه الوطنيين.
على أنه من غير المنظور، أن تشهد العلاقة الأردنية – الأمريكية تدهوراً شاملاً، خصوصاً في المدى المرئي المنظور، فالأردن يرى في واشنطن شريكاً استراتيجياً، أكبر مانح للمساعدات وأكبر ضامن للقروض، ويرى في علاقاته بالولايات المتحدة، ضرورة أمنية – سياسية – استراتيجية ... فيما الولايات المتحدة، ما زالت تنظر له بوصفه شريكاً في ملفات عديدة، بما فيها ملف الحل النهائي (وإن كانت نظرة واشنطن للدور الأردني قد تبدلت)، كما أن الأردن يلعب دوراً نشطاً في التحالف الدولي ضد الإرهاب العالمي.
لكن صعود "اليمين الشعبوي" إلى سدة البيت الأبيض، وانحيازه الكامل لليمين الإسرائيلي وأولوياته القائمة على الاستيطان والضم والتهويد، أحدث بدوره تبدلاً في أولويات هذه الإدارة، تمس دور الأردن ومكانته، وتسمح لواشنطن بغض الطرف عن أية "أضرار جانبية" قد تلحق بالأردن، جراء التبني الأمريكي لرؤية اليمين الإسرائيلي ومعاييره للحل النهائي.
من ذلك، أن واشنطن، وقبلها إسرائيل، لم تعد تقصد وهي تتحدث عن "الإطار الإقليمي" للحل الأردن، ولا حتى مصر، بل دولاً خليجية بعينها ... ومن ذلك أيضاً، أن واشنطن تعترف بسيادة إسرائيل على القدس الشرقية وحوضها المقدس وحرمها الشريف، حتى وإن أدى ذلك، إلى إلحاق أفدح الضرر بالوصاية الهاشمية على المقدسات.
ومن الأمثلة الإضافية على استهتار واشنطن بحسابات الأردن وحساسياته، قبولها بضم إسرائيل لمنطقة الأغوار، وبحجة نظرية الأمن الإسرائيلية... كما أن واشنطن لم تعد تبدي اهتماماً بممارسة أي ضغط على إسرائيل لوقف استفزازاتها للجانب الأردني، وتنصلها من عدد من التفاهمات (قناة البحرين مثالاً).
ملف اللاجئين الذي يتحمل الأردن عبأه الرئيس، ترك في حضنه، من دون إقرار بالعودة ولا بالتعويض، لا للاجئين الأفراد ولا للدولة المضيفة ... هذه الإضرار الجوهرية التي تلحق بالمصالح الأردنية، تنظر لها واشنطن بوصفها "أضراراً جانبية"، يمكن "تمريرها" نظير تلبية تطلعات إسرائيل وأحلام يمينها السوداء.
ليس مرجحاً أن تلجأ واشنطن إلى وقف مساعداتها أو فرض عقوبات على الأردن، أقله في المدى المنظور، ومع ذلك، ثمة الكثير مما يمكن فعله الآن ومستقبلاً، فالأردن يحتفظ بأصدقاء كثر في مؤسسات صنع القرار الأمريكية، خارج البيت الأبيض، ويتعين العمل على تجنديهم للدفاع عن المصالح الأردنية، والأردن عليه أن يفكر ويعمل على تنويع علاقاته الدولية والإقليمية، في عالم يتجه نحو "التعددية القطبية" ... وقبل هذا وذاك، علينا أن نتذكر أن علاقاتنا بواشنطن مرت بمراحل أسوأ بكثير مما هي عليه اليوم من قبل، ففي العام 1990 بلغ التردي في العلاقات الأردنية – الأمريكية، حد القطيعة، فلم يكن أحد في الإدارة أو الكونغرس يتحدث إلينا، وفرضت عقوبات على الأردن، وأخضع ميناء العقبة للتفتيش والحصار، أسوة بميناء "أم قصر" العراقي، ومع ذلك، فقد صمد الأردن وقاوم الضغوط ... اليوم، ليس الأردن بصدد المفاضلة بين علاقاته مع الولايات المتحدة أو القبول بصفقة القرن أو حتى التساوق مع مراميها ... كل الخيارات، بما فيها أسوأ العلاقات بالولايات المتحدة، أقل ضرراً من القبول بصفقة كهذه، فثمة قضايا ومصالح ومبادئ، أكبر من أن تخضع للمقايضة أو "المقاصة".