عريب الرنتاوي
المستوى العسكري الإسرائيلي (الجيش) يحذر من اندلاع “انتفاضة ثالثة” في الضفة الغربية والقدس..هذا أمر حذرنا (إقرأ بشّرنا) به من قبل، ولقد رصدوا ورصدنا جملة من الإشارات الدالّة على تنامي احتمال كهذا..أولاً بسبب انسداد خيار السلام وحل الدولتين..وثانياً: بسبب الاستيطان الزاحف على الأرض والعاصمة والحقوق والمقدسات، مع كل ما يقترن به ويصاحبه، من غطرسة واعتداءات تمارسها قطعان المستوطنين السائبة..وثالثاُ: تحت ضغط الضائقة الاقتصادية التي تلف المجتمع الفلسطيني المنكوب بالحصار والاحتلال وتجاهل “ذوي القربى والبعدى”..ورابعاً: مع تنامي مشاعر “القرف والاشمئزاز” من استمرار حالة الانقسام الداخلي، حيث من المرجح أن يوجه الشعب الفلسطيني، صاحب الخبرة الريادية والتاريخية المتراكمة، طاقة غضبه ضد الاحتلال، مستلهماً روح الربيع العربي الوثّابة.
لكن المستوى السياسي (الحكومة)، ظلت تعطي أذنا من طين وأخرى من عجين لتحذيرات الجيش والأجهزة الأمنية، مدفوعة بغطرسة عنصرية متوارثة، ويقين من أن السلطة الفلسطينية لن تسمح بتطور الأمور إلى هذا الحد، لأنها هي ذاتها، قد تكون أولى ضحايا انتفاضة جديدة..وعندما شعر نتنياهو بجدية تحذيرات جيشه وأجهزته في الأيام الأخيرة، سارع إلى إرسال إسحق مولوخو ومعه بضع حبات “القضامة” يعرضها على السلطة لكي تقوم بدورها في ضبط الأوضاع و”استعادة الهدوء”.
لا أدري ما الوعود التي حملها مولوخو إلى رؤسائه..كما لا أعرف شيئاً عن “لائحة المطالب” التي ربما تكون السلطة قد حمّلتها إلى الموفد الإسرائيلي في المقابل..لكنني أعرف أن كلا الجانبين ينتظران على أحر من الجمر، زيارتي كيري وأوباما لهما، ولكل منهما أسبابه وأولوياته الخاصة، والأرجح أنهما يريدان للزيارتين أن تتما في ظروف هادئة، لا يعكر صفوها أزيز الرصاص وأبواق سيارات الإسعاف والمطافئ.
وقد تفلح بعض “التقدمات” الإسرائيلية المتواضعة في امتصاص غضب السلطة واحتقانها..لكن السؤال الأهم، هل ستكفي تقدمات من نوع الإفراج عن بعض الأموال وبعض الأسرى، أو إبعادهم إلى قطاع غزة، في امتصاص “غضب الضفة”؟..هذا سؤال محوري، يجب أن يحظى بالأولوية في التفكير والتدبير.
إن مما لا شك فيه، أن لغضب الضفة أسباب وعوامل أعمق وأبعد، من أن تُختزل بتحرير حفنة الأموال أو الإفراج عن قبضة من الأسرى..إنها تتعلق أساساً بجوهر قضية “الحرية والاستقلال” التي هي قضية الشعب الفلسطيني في كل مكان، ولا أحسب أن انسداد الأفق أمام الفلسطينيين، يمكن التعويض بخطوات من النوع التي يمكن أن تجود بها قريحة نتنياهو.
ولا شك أيضاً، أن الشعب الفلسطيني، يرغب في تفجير طاقة غضبه وثورته في وجه محتليه ومغتصبي حقوقه، لكنه لن يتوانى كذلك عن تفجيرها في وجه من يحولون بينه وبين أعدائه إن لزم الأمر ووقعت الواقعة..والسلطة عاجلاً وليس آجلاً، ستجد نفسها أمام واحد من خيارين..اما أن تنضم لشعبها في مواجهة الاحتلال وإما المقامرة بالاصطدام معه، ومواجهة تحدي الانهيار تحت وقع ضرباته.
الإسرائيليون، بمحافل تفكيرهم الأمني والعسكري، يقرون بأن عام 2013 هو عام الحسم..فالسلطة اما تواجه خطر الانهيار تحت ضغط “أزمتها المالية والسياسية”، وتحت ضربات الغضب الشعبي الفلسطيني..وإما أن تتاح لها فرصة التحول إلى دولة على حدود 1967، في ختام مسار تفاوضي سريع، مُكرّس لاتخاذ القرار وليس لاجترار المفاوضات التي مضى على الشروع فيها عقدان وعامان.
من جهتنا، نرجح الاحتمال الأول، ومن موقع اليقين، بأن إسرائيل ليست في “مزاج تسوية” مع الفلسطينيين، وأن أي قيادة إسرائيلية مهما اتسع حجم الائتلاف الذي تستند إليها، لن تكون قادرة على الوفاء بمعايير الحد الأدنى المقبول فلسطينياً..ومهما بلغ “منسوب الاعتدال” عند المفاوض الفلسطيني.
وإذا كُتب للسلطة أن تجتاز عام الحسم، وهي على قيد الحياة، بفعل أدوات الإنعاش ووسائل التنفس الصناعي، فلن يكون لذلك “الوقت الإضافي الُمستقطع” صلة بالمشروع الوطني الفلسطيني وهدف دفعه للأمام، بل بالحاجات التي أنشأتها داخل المجتمع الفلسطيني، بفعل العلاقة “الزبائنية” التي قامت بينها وبينه من جهة، وبفعل حالة الانقسام، التي تجعل كل طرف من طرفي الانقسام، يتمسك بجثة السلطة الهامدة، حتى لا يظفر بها الطفر الآخر من جهة ثانية..هل تذكرون تصريحات بعض قادة حماس رداً على تلويح الرئيس عباس بحل السلطة، ودعوتهم له نقل السلطة لهم بدل تسليم مفاتيحها إلى نتنياهو؟