عريب الرنتاوي
أثار عالم الدين المغربي الجريء، الدكتور أحمد الريسوني، ضجة فكرية كبرى عندما أفتى بعدم جواز منع «التبشير» المسيحي في البلاد الإسلامية ما دامت الدول المسيحية تسمح للمسلمين بممارسة «التبشير» الإسلامي..الريسوني وضع لإباحة التبشير المسيحي، او بالأحرى عدم تجريمه، شرطين اثنين: الأول، أن يقتصر على البالغين الراشدين، من دون الصغار والقصّر..والثاني، ألا يَستَمثر في جوع الناس وفقرهم وبطالتهم، أي أن يتفادى استخدام (المال السياسي/الديني).
معظم الدول العربية والإسلامية، تمنع التبشير المسيحي أو غير المسيحي، وتعتبر خروج المسلم إلى ديانة أخرى، ردةً تستوجب العقاب، وهو عقاب يتراوح صعوداً أو هبوطاً، باختلاف درجة تزمت القوانين والتشريعات في الدولة ذات الصلة..ولا تُدرج كثيرٌ من الدساتير العربية، حرية اتِّباع أي من الأديان والشرائع، أو حتى عدم اتباع أي منها «اللا دينيين»، في باب حرية الاعتقاد..فتغيير المعتقد الديني عندما يتعلق الأمر بمسلم، يندرج في سياق «الردّة»، وثمة دول ما زالت تعمل بـ»حد الردة» حتى اليوم، مع أنه أمر خلافي ومثير للجدل والشقاق في أوساط المفكرين والمجتهدين الإسلاميين.
«ما لنا، لنا وحدنا..وما لكم، لنا ولكم»..هذه هي القاعدة التي تتعامل بها أطراف إسلامية في مسألة التبشير..هي تجيز ذلك للمسلم، بل وتعتبره جهاداً وتبليغاً ونفاحاً حميداً عن الرسالة والدعوة..بل أن المواقع الالكترونية الإسلامية تتبادل فيض التبريكات والتكبيرات، حين ينطق أي شخص غير مسلم بالشهادتين، وتفاخر ومعها كثيرون، بأن الإسلام هو أسرع الأديان انتشاراً في العالم، ومن دون أن تكلف نفسها عناء مناقشة قضية «التعامل بالمثل».
في أوروبا والولايات المتحدة والعوالم المسيحية والبوذية والهندوسية والكونفوشية وغيرها، يُتاح للمسلمين «التبشير» برسالة دينهم ونبيّهم..هم يسمون ذلك «جهاداً» و»تبليغاً أو «دعوة»، وهي ممارسة قانونية في جميع دول الغرب، بمن فيها تلك التي تحظر بعض المظاهر المتطرفة للحضور الإسلامي على أرضها وفي ثقافتها وحضارتها..ولكن ما أن تضع السلطات في بلادنا يدها على مبشر مسيحي (دع عنك مبشري الرسالات غير السماوية)، حتى تقوم الدنيا ولا تقعد، وتبدأ المطالبات بالمحاكمة والتسفير والجلد والإعدام، تتوالى من كل حدب وصوب، ومن كلٍ بحسب درجة تشدده أو تزيّده في الدين والتديّن.
تصوروا لو أن الغرب المسيحي، قرر من جانبه أن يعاملنا بالمثل..أحسب أنه كان سيرحل عشرات الأولوف منّا، عرباً ومسلمين، ويغلق جميع المساجد الخاصة بنا، ويطارد ويلاحق عشرات الدعاة والوعاظ والناشطين إلى ديارهم وإلى الأبد..تصوروا لو أن الهند والصين قررت مطاردة التبشير الإسلامي، ما الذي كان سيحصل، وما هو مصير الملايين من المسلمين الذين دانوا بالإسلام في هذه الدول، ودائماً بالكلمة الطيبة والموعظة الحسنة...لماذا لا يفعلون ذلك؟..ولماذا نصر نحن على موقفنا..وكيف نقيم الموقفين في ميزان حرية الاعتقاد والتسامح والتعايش وحوار الأديان وتلاقح الحضارات والثقافات.
يقول بعض الإسلاميين، أن وضعنا مختلف، فديننا أمر بنشر رسالته إلى الناس كافة..ومن قال أن المسيحية لم تدع معتنقيها لفعل الشيء ذاته..من قال أن الإنجيل لم يدعُ كما القرآن للتبشير برسالته..هم أيضاً أصحاب دعوة ورسالة، شأنهم في ذلك شأننا، فكيف يستقيم أن نطلب منهم ما لا نقبل به على أنفسنا..كيف نكيل بمكيالين، ونحن الذي طالما ضجرنا من المعايير المزدوجة..كيف ننهى عن خلقٍ ونأتي بمثله..ومم نخشى إن نحن أشعنا حرية الاعتقاد وكففنا عن تجريم التبشير، ومن ضمن شروط عالم الدين المغربي أحمد الريسوني: تجنب القصر والمحتاجين؟!..ألسنا شديدي الثقة بقدرتنا على «المنافسة»..ألسنا خير أمة أخرجت للناس..ألسنا أصحاب أسرع الديانات انتشاراً..ألسنا مؤمنين بـ»الكلمة الطيبة» و»الموعظة الحسنة»..لماذا نصر أن نكون أفظاظاً وغلاظاً، ونحن الذين نفاخر بأن ديننا انتشر بالتجارة و»التبشير»، وليس بحد السيف أو حد الردة؟.