سألت مصدراً سعودياً يعرف الكثير عن العائلة المالكة وتاريخها القديم والحديث: ما أهم مفاتيح شخصية ولى العهد السعودى الأمير محمد بن سلمان؟ ردَّ الرجل دون تردُّد: هى خمس صفات:
1- قوى يعرف عناصر قوته.
2- اقتحامى للأزمات والصراعات.
3- إصلاحى لا سقف لأحلامه.
4- حاد الذكاء بالفطرة.
5- ابن مخلص لمدرسة والده فى الحكم.
هذه العناصر هى «بوصلة إنسانية» لمعرفة اتجاهات ولى العهد السعودى فى صناعة القرار.
محمد بن سلمان، منذ الصبا إلى الشباب، عشق أن يكون بجانب والده أمير الرياض، لذلك كان يحرص على زيارته كلما أمكن فى مكتبه بالإمارة، أو رفض السفر للسياحة خارج البلاد فى عطلة الصيف مفضِّلاً تمضية الوقت بجانبه للتعلم والمتابعة لشئون الإدارة والتعامل مع المواطنين.
الابن السادس من أبناء الملك سلمان بن عبدالعزيز لديه -منذ الصبا- شغف شديد بالعمل العام من ناحية، والتعلم فى مدرسة أبيه، الذى لعب دوراً أساسياً فى شئون الحكم، وترتيب الشئون الداخلية للعائلة المالكة، وموضع ثقة الملوك: «عبدالعزيز، سعود، فيصل، خالد، فهد، عبدالله» رحمهم الله.
يدرك الأمير محمد، حفيد الملك المؤسس سعود والأميرة حصة السديرى، أنه ينتمى لملك ما يُعرف بـ«آل فهد»، أى الإخوة الأشقاء من فرع الأميرة السديرى: «فهد، سلطان، نايف، تركى، عبدالرحمن، سلمان، أحمد»، فهو سليل أقوى فرع فى أبناء الملك المؤسس عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود.
الشعور بالتميز والهيبة هو جزء أساسى فى فهم تركيبة أهل منطقة «نجد» تاريخياً.
المكون الثانى هو «التبسط والتعاطف الإنسانى ونجدة الملهوف، ودعم المحتاج، ونصرة المظلوم».
إذن شخصية الحكم كما شرحها الملك سلمان لأبنائه، وكما طبَّقها عملياً أكثر من 60 عاماً، هى مزيج من «القوة والهيبة والإنسانية والعدالة».
وتركيبة محمد بن سلمان هى مزيج نادر من الصفات، هو «مجامل اجتماعياً إلى أقصى حد، لطيف المعشر فى الأمور الإنسانية، لكنه شديد الجدية وصارم بلا هوادة فى شئون الحكم».
يقول أحد الذين يعرفون الصفات الشخصية فى العمل اليومى مع ولى العهد السعودى: «إن الخطأ الأول الذى ترتكبه فى العمل مع الأمير محمد هو خطؤك النهائى».
محمد بن سلمان لا يجامل فى العمل العام، ولا يتهاون مع الإهمال، وقاطع فى عقاب الفساد والمفسدين دون تردُّد مهما كانت شخصية القائم بالفساد».
الرجل يسمى الأشياء بأسمائها فلا يلف أو يدور فى توجيه أصابع الاتهام نحو مصادر الخلل أو التخلف فى الحياة العامة
قراءة محمد بن سلمان لأوجه الخلل فى الإدارة بدأت بالمشاهدة والمتابعة من داخل الجهاز الإدارى للدولة وأماكن صناعة القرار منذ الشباب، وقُبيل أن يكون هناك أى إشارة أو احتمال أن يصبح والده قريباً من الملْك، أو أن يصبح -محمد- فى فريق عمل والده.
تابع وشاهد وعاصر محمد بن سلمان أوجه القصور والبطء والخلل والفساد فى الإدارة والبيروقراطية منذ أن عُين مستشاراً متفرغاً فى هيئة الخبراء بمجلس الوزراء السعودى فى أبريل 2007، ثم حينما عمل فى مكتب والده بالإمارة عام 2009، ثم عمل مستشاراً خاصاً للوالد حينما أصبح وليّاً للعهد و«الدينامو الرئيسى» فى ديوان ولى العهد.
وفى كل المناصب التى تلت ذلك فى وزارة الدفاع، ومنصب ولى ولى العهد، ثم حينما أصبح واضحاً أن الرجل هو «مركز القرار الثانى» فى الحكم بعد مليك البلاد، قرر الرجل أن يواجه ثلاثة: «الفساد، البطء، الإهمال».
وفكرة التحديث الاجتماعى أصيلة فى فكر ولى العهد السعودى، منذ بداياته وقُبيل أن يلوح فى الأفق أى احتمالات لتولِّى منصب قيادى.
حرص محمد بن سلمان، الشاب، الأمير، المواطن على أن يبتكر مؤسسة إصلاحية تنويرية أشرف على تفاصيلها الكاملة من العام 2007 إلى 2009 سمَّاها «مسك» تسعى لتدعيم مبادرات الشباب والشابات فى المملكة وخلق حالة من التحديث الفكرى والاجتماعى.
ومنذ عام 2007 ومحمد بن سلمان يشكو فى مجالسه الخاصة من سيطرة «أفكار بالية تُنسب ظلماً للفكر الدينى والرؤية الإسلامية المتسامحة».
ويعرف كل مَن كان قريباً من ولى العهد أن مواقفه من تمكين المرأة السعودية وإعطائها حقوقها المعطلة بسبب أمور بعيدة عن روح الشريعة والعقل والمنطق كانت أصيلة وعميقة بداخله، لذلك حرص حينما بدأ يمسك بمفاصل صناعة القرار على أن يمهد الطريق لهذه الإجراءات.
لذلك كله صدرت قرارات تخفيف إجراءات الولاية على المرأة، ومساواتها فى مجالات العمل، وحقها فى تبوؤ المناصب الفعَّالة وتحسين أحوالها، وأخيراً السماح لها بقيادة السيارات وحضور المناسبات العامة الرياضية والفنية.
لم يقبل محمد بن سلمان أن يكون الإصلاح مجرد مجموعة «نوايا طيبة» بلا استراتيجية، بلا خطة، بلا التزامات محددة، بلا مشروعات تفصيلية، بلا سقف زمنى مُلزم، لذلك قاد مجموعة ممتازة من أفضل الخبراء السعوديين، مدعومين بمجموعة من شركات التخطيط الاستراتيجى العالمية لعمل خارطة طريق للبلاد والعباد، تلك التى عُرفت بعنوان «خطة 2030».
واجهت «خطة 2030» تحديات خارجية لا علاقة لها بجدوى الخطة أو مضمونها أو تطبيقاتها هى:
1- حرب الضرورة فى اليمن.
2- تداعيات ملف «خاشقجى».
3- الهبوط العالمى فى أسعار النفط.
4- تأثيرات فيروس «كورونا».
5- إلغاء الحج والعمرة هذا العام وفقدان مداخليه المالية.
كان من الممكن أن تكون هناك تأثيرات قوية وشديدة لكل العوامل السابقة على أداء الاقتصاد السعودى، لكن تم «ترميم هذه التداعيات» التى لا مفر منها بعدة إجراءات:
1- فرض رسوم على موارد الدولة السيادية.
2- التدقيق الصارم فى مجالات الهدر الحكومى.
3- محاولة تنويع المصادر فى المداخيل غير النفطية.
4- دخول الصندوق السيادى السعودى فى استثمارات عالمية ناجحة.
5- حصول الدولة على الحق العام فى أموال وأملاك كانت ضائعة ومهدرة بسبب الفساد الإدارى تعدَّت الـ170 مليار دولار، حسب تقدير «الإيكونومست» و«فوربس».
ويرجع الإصرار الشخصى للأمير محمد فى الاكتتاب وطرح أسهم «درة التاج» فى الاقتصاد السعودى وهى شركة «أرامكو» إلى توفير سيولة استطاعت أن تداوى آثار الانخفاض العالمى فى الطلب على النفط، وبالتالى على الأسعار وموارد الدخل الأساسية للموازنة السعودية.
وفى أزمات المنطقة الإقليمية، يدرك محمد بن سلمان أن «مشروع القوى العربية المعتدلة» هو مشروع الإنقاذ الوحيد الجاد لـ«تحويل الشرق الأوسط إلى أوروبا الجديدة»، كما أطلق عليها.
من هنا، هناك صرامة حادة، وحزم لا نهائى فى التعامل مع حالة «الغدر السياسى» الآتية من «الدوحة»، ولا قبول للابتزاز التركى عقب واقعة «خاشقجى»، ولا مهادنة أمنية أو عسكرية مع الجنون الطائفى «الحوثى».
يدرك محمد بن سلمان أن هناك تحالفاً قطرياً، تركياً، إيرانياً تدعمه أدوات وأذرع فى اليمن والعراق، وسوريا، ولبنان، وليبيا، وأن هذا الأمر يحتاج إلى «مواجهة صريحة شجاعة مهما كلف الأمر».
هل هذا يعنى أن الرجل ليس رجل تسويات سياسية؟
تعلَّم محمد بن سلمان أن الحزم فى الحق واجب، والتسويات عند توفُّر الصدق والتعقل لدى الطرف الآخر -أيضاً- واجبة.
حتى الآن يرى الأمير محمد أن إيران تسيطر عليها معضلة نشر حكم ولاية الفقيه بالقوة، وأن «أردوغان» مريض بإحياء الخلافة العثمانية، بابتزاز القوة، وأن الأشقاء فى قطر تحولوا -للأسف- إلى حالة «العدو الشقيق» المتآمر على الرياض.
ويرى الأمير محمد بن سلمان أنه لا معنى لأى دعم مالى أو سياسى لدول تسيطر عليها أدوات إيرانية أو تركية أو قطرية.
يؤمن الأمير محمد، هكذا دون مجاملة، «أن المملكة ليست خزينة مال تدعم أنظمة تعاديها».
فى ذات الوقت لا يتأخر محمد بن سلمان عن كل أشكال الدعم للحلفاء الصادقين الذين لا ينقضون العهد أو الوعد مع الرياض.
عدة مرات حاولت قطر وتركيا فتح خطوط خلفية لشق الصف بين تحالف السعودية ومصر والإمارات والبحرين، لكنها فشلت لثلاثة أسباب:
1- إيمان قادة هذه الدول بأن مصالحهم الوطنية هى فى هذا التحالف وتدعيمه.
2- العلاقة الشخصية بين قادة معسكر الاعتدال العربى.
3- فقدان الثقة كاملة فى وعود «العدو الشقيق» المتكررة والمؤلمة كما دلَّت التجارب العملية.
محمد بن سلمان لا يخشى المواجهة فى الداخل أو فى المنطقة، مهما كانت التكاليف، لأنه ببساطة يؤمن بأنه توجد أمور مبدئية للإصلاح فى الداخل، ومواجهة الجنون والتآمر الإقليمى لا يمكن التنازل عنها أو المهادنة فيها.
غداً.. مفتاح شخصية الشيخ محمد بن زايد فى السياسة والحرب، بإذن الله.