عماد الدين أديب
مع بداية العام الجديد قررت أن أتناول قدحا من القهوة التركية السادة عقب طبق فول عبقري، وبينما أنا أشعر بردود فعل هذا الإفطار اقتحم عليّ عزلتي مواطن عربي غير عادي وسألني:
الرجل: يا أستاذ ممكن أسألك سؤال صعب؟
العبد لله: تحت أمرك.
الرجل: هوه حضرتك مش واضح كده زي كل الناس ليه؟
العبد لله: مش فاهم!
الرجل: يعني لا يمكن معرفة أنت مع الحكومة على طول الخط أو ضدها، ولا مع التيارات الإسلامية ولا ضدها، ولا مع الأميريكان ولا ضدهم!
العبد لله: أنا محلل سياسي، أنا أقوم بتحليل الموضوع بعيدا عن طبيعة رؤيتي الخاصة أو علاقتي بالأشخاص.
الرجل: لكن لازم يا أستاذ يكون لك موقف قوي بطريقة «مع» أو «ضد».
العبد لله: قصدك إني أكون دائما لديّ مواقف مؤيدة لبعض القوى على طول الخط ومعادية لآخرين مدى الحياة؟
الرجل: بالضبط يا أستاذ! عاوزين لك موقف زي مواقف تشجيع الكورة، إما إنك أهلاوي أو زملكاوي!
العبد لله: السياسة تختلف عن الكورة يا باشا لأن فيها مواقف متغيرة وعناصر كثيرة لا يمكن السيطرة عليها.
الرجل: على الأقل يا أستاذ لازم يكون لك موقف من الدين!
العبد لله: أزاي يعني، أنا والحمد لله راجل يعرف ربنا كويس والحمد لله.
الرجل: لازم تهاجم الناس دول بتوع «العلمانية».. دول بينكروا ربنا، هوه حضرتك من التيار «العلماني»؟
العبد لله: أنا مش «علماني» أو «حلماني»!
الرجل: يعني إيه «حلماني» يا أستاذ؟!
العبد لله: «حلماني» دي صفة أنا اخترعتها للناس اللي بتؤمن «بالحلم».
الرجل: وإيه أهمية الحلم في الزمن ده؟
العبد لله: من دون ما تحلم تموت. من دون القدرة على خيال الحلم نصل إلى مرحلة الجمود.
الحياة الصعبة جدا اللي إحنا عايشنها لا يمكن تحملها من دون الأمل اللي في الأحلام.
الرجل: ولكن هوه موش الحلم هروب من الواقع؟
العبد لله: لا عيب في الهروب من الواقع، المهم الهروب إلى أي عالم جديد! هل هو عالم تسود فيه الحريات والعدالة والتوافق والتقدم والرفاهية؟
الرجل: وما هو عيب التيار «الحلماني» في هذا الزمن؟
العبد لله: التيار الحلماني يعاني قلة المنتمين إليه، فالأزمة التي يحياها ليست قلة السيولة النقدية ولكن قلة الأمل!
ضرب الرجل كفا على كف وأنهى الحوار وغادرني مستهزئا بي حينما تحدثت عن «الأمل».
نقلاً عن جريدة "الشرق الأوسط"