بقلم - مصطفى الفقي
تتعرض الطفولة البريئة فى بلدنا أحيانًا لنوعية من الجرائم غير المسبوقة، فتلفظ الطفلة أنفاسها بيد أبيها، ويُلقى آخر بأطفاله الثلاثة فى النهر، ويقوم ثالث بتعذيب أولاده على نحو غير مسبوق فى تاريخ العنف الأسرى. ولا تقتصر الجريمة على ما يفعله الآباء، بل إن الأمهات أصبحن شريكات فى هذه النوعية من الجرائم وكأنما الأمومة وهم ذهب مع الريح، والذين يستغلون عجز الأطفال فى الدفاع عن أنفسهم والتعبير عن مشاعرهم الطاهرة تجاه العدوان السافر عليهم جسديًا ومعنويًا؛ إن هذا العجز لا يبرر أبدًا استمرار هذه الجرائم وتواترها على النحو الذى نشهده فى السنوات الأخيرة، لذلك فإننى أطالب بعدد من الإجراءات التشريعية والتنفيذية، بل القضائية التى تضع حدًا لهذه النوعية من الجرائم التى تهز الضمائر وتتركنا تحت وطأة المشاعر القاسية التى نشعر بها عندما تصل إلى مسامعنا تلك النوعية من الجرائم الوحشية التى يأتى معظمها نتيجة تفسخ الأسر والصراع بين الأبوين والانتقام المتبادل بينهما، والذى تكون ضحيته الأولى هم الأطفال الأبرياء الذين لا يفقدون فقط حنان الأبوين ولكنهم يتلقون منهم أشد أنواع التعذيب وأكثر حالات الكراهية، لذلك فإننى أطرح المطالب التالية:
أولًا: يجب تغليظ العقوبة فى كل الجرائم ضد الأطفال، سواء صدرت من أسرهم أو من أطراف أخرى خارج الكيان العائلى، ويجب أن تكون العقوبات رادعة والأحكام عاجلة حتى نضع حدًا لهذه النوعية من الجرائم التى تطيح بالقيم الموروثة للأبوة والأمومة وتجعلنا أمام نمط بشع من الممارسات اللاأخلاقية التى لم نشهد لها من قبل مثيلًا، ولذلك فإننى أطالب المشرع بإعادة النظر فى العقوبات واجبة النفاذ على من يعتدون على الطفولة أو ينتهكون حُرمتها، فالأطفال الأبرياء أحباب الله وهم ملائكة يمشون على الأرض، ولا ذنب لهم فى كل ما يحيط بهم، لذلك يتوجب علينا كمجتمع مدنى ودولة عصرية أن نواجه ذلك الطوفان من الجرائم بقوة وصرامة ودون تردد أو تراجع.
ثانيًا: لقد جاء الوقت الذى يتعين علينا فيه النظر فى النسبة المتزايدة من حالات الطلاق والانفصال العائلى بين الزوجين، خصوصًا فى السنوات الأولى لتكوين الأسرة، ولقد كان الرئيس عبدالفتاح السيسى على حق عندما لفت النظر إلى هذه الظاهرة الخطيرة فى خطاب عام، حيث دعا إلى أن يكون الطلاق محكومًا بالقانون، ولو وصل الأمر إلى منصة القضاء وفى حضور سدنة العدالة وحملة اللواء الشريف لتطبيق القانون العادل فى محاكم الأسرة أو غيرها.. ولكن الأمر الذى يدعو إلى الأسى هو أن مبادرة الرئيس لم تجد استجابة ودعمًا من المؤسسات الدينية فى مصر، رغم أن للأمر سوابق فى دول إسلامية وعربية، فهل ديننا يختلف عنهم؟! ولماذا يبدو التحجر أحيانًا معاديًا لحركة التاريخ وظروف البشر ومؤديًا إلى تفكك الأسرة وعذابات الطفولة؟!.
ثالثًا: لقد دعا أحد المتصوفة ربه ذات يوم قائلًا: «اللهم اكلأنا كلاءة الوليد الذى لا يدرى ما يراد به وما يريد»، فالطفل يبدو كالملاك الأخرس غير القادر على التعبير عما يختزنه من معاناة وآلام، ويظل أسيرًا لأمور معقدة وحزن ذاتى دفين لا تبدو نتائجه إلا بعد مضى الأوان وفوات السنين.. إننى أطالب أساتذة الدراسات النفسية بأن ينضموا إلى محاكم الأسرة كطرف مباشر جنبًا إلى جنب مع القضاة العظام باعتبارهم بديلًا لخبراء وزارة العدل فى تلك الحالات المتصلة بتماسك الأسر ورعاية الطفولة.. وأدعو إلى التوقف تمامًا عن الادعاء المستمر بأن الآباء أو الأمهات الضالعين والضالعات فى جرائم الطفولة هم من مختلى العقل والمرضى النفسيين، فذلك مهرب فى حالات كثيرة من التوصيف الحقيقى للجريمة، ومخرج من نطاق العقوبة الرادعة.
إننا ندق ناقوس الخطر بالدعوة الملحة إلى توفير الحماية الكاملة للأطفال فى بلادنا، ناهيك عن ضرورة التوقف عن التعذيب الممنهج فى بعض الملاجئ ودور رعاية الأطفال والمصحات النفسية، فالفارق واسع بين المسميات البراقة والحقائق المؤلمة، كما أن عجز الطفولة عن التعبير والإفصاح يؤدى إلى انتهاك حرمتها والعدوان عليها جسديًا ونفسيًا.. أيها السادة إن الطفولة وديعة إلهية فى أيدينا، فلنحافظ عليها ونَرْعَ الله والوطن فيها!.