يسهم الانحسار السريع لجليد المحيط المتجمد الشمالي، نتيجة التسخين الأرضي، في نشر الذعر (بين أنصار البيئة) والإثارة (حيال الموارد الطبيعية وغيرها من الفرص الاقتصادية التي يمكن الكشف عنها). ورغم أن معظم تلك الإثارة يتعلق بالنفط والغاز وفتح طرق بحرية بين المحيطين الأطلسي والهادئ، فإن البعض يأملون أيضاً في طفرة سمكية، نظراً لأنه من شأن الدفء والضوء أن يحدثا تجديداً بيئياً لما يمثل الآن صحراء جليدية. ولكن آمالهم تلك قد تخيب. وتقول مجلة «إيكونوميست» البريطانية، في تقرير نشرته أخيراً، إن مؤتمر «حدود القطب الشمالي»، الذي أقيم حديثاً في جامعة «ترومسو» بالنرويج، بحث الكيفية التي من شأن التسخين الأرضي أن يغير بها البيئة، لتقدير ما إذا كان سيغيرها بالفعل. وكان الإجماع على أن ذلك لن يحدث، ليس لأن القطب الشمالي سيتغير قليلاً، ولكن لأنه سيتغير كثيراً. وللوهلة الأولى، يبدو ذلك معارضاً للبديهة. فمع ذوبان الجليد، يستطيع مزيد من الضوء الوصول إلى المياه، وهذا يعني مزيداً من التمثيل الضوئي بالنسبة للطحالب البحرية. وفي الماضي، كانت الطحالب تنمو تحت الغطاء الجليدي من مايو حتى نهاية سبتمبر. والآن، يبدأ هذا النمو في منتصف مارس، ويستمر حتى أكتوبر. وتمثل هذه الطحالب الجليدية، التي ترتبط بالغطاء الجليدي نفسه، نصف الكائنات الحية الموجودة في المياه القطبية الشمالية. ويتألف النصف الآخر في مجمله من طحالب غير مرتبطة، تعرف باسم العوالق النباتية، وحيوانات صغيرة، تعرف بالعوالق الحيوانية. وكلا النوعين من العوالق يدعم، بشكل مباشر أو غير مباشر، الأسماك والثدييات التي تعيش في المحيط المتجمد الشمالي. والعوالق، هي الأخرى، تشهد طفرة بفضل ظاهرة الاحتباس الحراري. والنتيجة هي ازدياد عوالق المحيط المتجمد الشمالي وتوغلها شمالاً، ما يجذب مزيداً من الأسماك. وذلك كله يبدو واعداً. ولكن العديد من الباحثين يعتقدون أنه لن يستمر. وذلك، أولاً، لأن القطب الشمالي المركزي عميق للغاية، بالنسبة لبعض أنواع الأسماك المهمة، مثل سمك القد القطبي (الذي يختلف عن سمك القد الأطلسي، ويستطيع العيش في أقصى الشمال). وتنتمي أسماك القد القطبية الصغيرة (التي تقل أعمارها عن عام واحد) إلى فئة الأسماك السطحية، أما تلك التي تبلغ من العمر عاماً أو أكثر، فهي أسماك قاعية، أي تعيش بالقرب من القاع. ويبلغ عمق ذلك القاع في بوفورت 200 متر، فيما يصل في القطب الشمالي المركزي إلى 4000 متر، وهو العمق الذي لا يستطيع سمك القد القطبي العيش عنده. والسبب الثاني، هو تحمض المحيطات. فحين يمتص الماء ثاني أكسيد الكربون، ينتج حمض الكربونيك. وازدياد غاز ثاني أكسيد الكربون، يعني ازدياد حمضية المحيطات في كل مكان، ولكن هذه الظاهرة تتجلى أكثر ما تتجلى في مناطق خطوط العرض العليا، لأن الماء البارد يمتص ثاني أكسيد الكربون بسهولة أكبر من الماء الدافئ. وانحسار الجليد يمكن مساحة أكبر من المحيط من امتصاص ذلك الغاز. غير أن السبب الأهم للاعتقاد بأن ظاهرة الاحتباس الحراري لن تسفر عن طفرة سمكية قطبية شمالية، هو أنها قد تزيد من تطبق المحيط المتجمد الشمالي. والتطبق هو انقسام مياه المحيط إلى طبقات، نتيجة لأن المياه العذبة أخف من المالحة، والمياه الباردة أثقل من الحارة. وكلما زاد تطبق الماء، قلت حركة العناصر الغذائية فيه. تصنف غالبية الكائنات البحرية التي تسبح بحرية، على أنها سطحية. فالطحالب، بسبب حاجتها للضوء، تحتاج للعيش بالقرب من السطح، وكذلك الحال بالنسبة للعوالق الحيوانية، وغيرها من الحيوانات التي تحتاج إلى العوالق النباتية. وحين تموت هذه الكائنات، تنزل إلى القاع، لتصبح طعاماً للكائنات القاعية. وبمجرد أن تلتهم، تعلق الجزيئات المكونة لها، بما في ذلك العناصر الغذائية كالفوسفات والنترات والحديد، في الأعماق. ولكي يكون السطح منتجاً، فإنه لا بد من إعادة هذه العناصر الغذائية إلى الأعلى، حتى تغذي نمو العوالق النباتية. وإحدى أهم طرق حدوث ذلك، هو تدفق المياه من أسفل، نتيجة لاصطدام المياه الباردة والمعتدلة. وهذه الظاهرة هي السبب في أن جنوب غرينلاند على الجانب الأطلسي، وجنوب مضيق بيرينغ على جانب المحيط الهادئ، يعدان من أغنى مناطق الصيد في العالم. ولكن التطبق يهدد نظام إعادة التدوير هذا من خلال قمع الحركة الرأسية للمياه. والاحترار العالمي يشجع التطبق، لأنه يحول الجليد إلى طبقة من المياه العذبة التي تبقى على السطح. وبعبارة أخرى، فإن القطب الشمالي الآخذ في التسخين والذوبان، لن يزخر بالأسماك، ولكنه سيمثل مجرد نسخة صحراوية خالية من الجليد، وهو ما يمثلها الآن بالفعل. يرجح لظاهرة التطبق أن يكون لها تأثيرات وخيمة في إنتاجية المحيط المتجمد الشمالي. إذ اطلع الباحث بول واسمان من جامعة «ترومسو»، على إنتاج الطحالب للمواد العضوية (الإنتاج الأولي) في أنحاء مختلفة من المنطقة القطبية الشمالية الأوروبية، التي تنقسم إلى خمس مناطق اقتصادية، واستخدم نموذجاً مناخياً للتنبؤ بالإنتاج المستقبلي. ووفقاً للنموذج، فإنه يرجح للإنتاج الأولي أن يتراجع، بحلول عام 2050، في ثلاثة من تلك المناطق، وأن يثبت في المنطقة الرابعة، ويزداد في المنطقة الروسية وحدها (أي بحر كارا وجزء من بحر بارنتس).