نشر ثقافة الاستهلاك الغذائي لوقف الممارسات الخاطئة

كشف عدد من خبراء الاقتصاد، ضرورة نشر ثقافة الاستهلاك الغذائي، لوقف العديد من الممارسات والعادات الخاطئة، المتفشية في المجتمع المصري، بخاصة أننا نعاني يوميًا من الإفراط في تناول الأطعمة الغذائية، ويأتي ذلك بعد العديد من التقارير التي أثبتت إسراف المواطن المصري في الاستهلاك الغذائي، والتي رصد آخرها أن المواطن المصري يهدر 73 كيلو غرامًا من الطعام سنويًا,وذلم وفقًا لاستطلاع لـ "العرب اليوم".

قال الدكتور مختار الشريف، أستاذ الاقتصاد في جامعة المنصورة،لـ"العرب اليوم"إن مشكلة الاستهلاك أصبحت مرتبطة بشكل وثيق بنمط الحياة، والعادات والتقاليد التي اعتادت عليها العائلات المصرية، موضحًا أن هناك عددًا من العوامل منها الاقتصادية والاجتماعية أسهمت في دفع أفراد المجتمع المصري نحو الاستهلاك الزائد أو غير المدروس للكثير من السلع، وأثر ذلك بشكل كبير على اقتصاد البلد عامة والسلوكيات الفردية خاصة

وأضاف الشريف، أنه إذا تم ترشيد الاستهلاك الفردي وتبنيه كسلوك مجتمعي من خلال حملات التوعية سيتم حل جانب كبير من هذه المشكلة، مشيرًا إلى أن ما يؤكد على تفشي هذه الظاهرة هو انتشار المولات أو الأسواق التجارية الضخمة، والتي تعتبر متنفس مناسب لكثير من الأسر والعائلات، التي تجد نفسها محاطة بمختلف أنواع السلع، رغم الأسعار الباهظة للكثير من هذه السلع والمنتجات، لافتًا إلى أنه نتيجة للإقبال الكبير على الاستهلاك، أصبحت مصر قبلة لكثير من الشركات التجارية بمختلف أنواعها، سواء أكانت في مجال التصنيع الغذائي، أو الطبي أو التجميلي.

وأوضح الدكتور صلاح الدين فهمي، الخبير الاقتصادي،لـ"العرب اليوم"أن المجتمع المصري، شأن بقية المجتمعات العربية، يعاني من تفشي ثقافة الاستهلاك، فالعالم العربي يستهلك ربع الإنتاج العالمي، في حين أن إنتاجه أقل من ذلك بكثير، موضحًا أنه إذا نظرنا إلى السلوك الاستهلاكي للمصريين سنجد إنفاقًا متزايدًا على الاستهلاك، وتراجع الادخار، فاكتساب الممارسات الاستهلاكية دلالات اجتماعية تجعل منها عنوانًا للوجاهة، والطبقية، والهوية الثقافية في مجتمع يعاني من اختلالات حادة، أبرزها الانقسام الطبقي الحاد بين فئات المجتمع المصري.

وكشف فهمي، أن الإحصاءات تشير إلى أن إنفاق المصريين على السلع الترفيهية المعمرة وغير المعمرة يصل إلى ما يقرب من ستة مليارات دولار، ونحو أربعة مليارات دولار على استيراد أجهزة الهاتف المحمول، مشيرًا إلى أن الاستهلاك الترفيهي من أكبر الأسباب التي تدفع الناس لحُمى الشراء، وبذلك لن تقتصر أضرار الإقبال الشديد على السلع الاستهلاكية، على المجتمع الحالي، بل ستمتد للأجيال القادمة التي تجد نفسها تمارس تلك السلوكيات بالقدوة، نتيجة اعتيادها عليه إذ أنه أصبح جزءاً من سلوك المجتمع.

و قال الخبير الاقتصادي، إن التصدي للنزعة الاستهلاكية لن يكون فقط بسياسات اقتصادية تحد من الاستيراد، ولكن أيضًا من خلال تكوين جيل جديد يؤمن بقيم إنسانية رفيعة تركز على ما وراء المادة، أو الجانب اللا مادي في حياة الفرد، موضحًا أن هذه إحدى القضايا التي يجب أن تهتم بها مؤسسات التنشئة باختلاف صورها، وذلك من خلال التعليم والتركيز على التربية المدنية، وتشجيع الطلاب والطالبات على تكوين نظرة إنسانية للحياة، والمشاركة في مبادرات اجتماعية تطوعية، لا تجعل كل اهتمامهم مرتبطًا بالمادة.

وأكّدت الدكتورة يمن الحماقي، أستاذ الاقتصاد في كلية تجارة جامعة عين شمس،لـ"العرب اليوم"أن المتأمل لحال المجتمع المصري يصل إلى نتيجة هي انخفاض معدلات الأخلاق العامة، وتفشي المادية، وعدم الاعتداد بالاعتبارات الإنسانية، وزيادة مظاهر القبح واللا مبالاة وضعف القدرات الإنتاجية، وهي حالة لا يمكن الخروج منها إلا من خلال اكتشاف منابع جديدة مثل الاهتمام بالثقافة العلمية، والمبادرات الاجتماعية والإنسانية، وإنتاج خطابات دينية تشتبك مع المشكلات الاجتماعية.

وأضافت أن وسائل الإعلام لها دور كبير في طرح هذه النوعية من القضايا سواء ما يتعلق بالآثار السلبية لتفشي النزعة الاستهلاكية أو التحولات الاجتماعية المرتبكة في المجتمع حتى يتشكل لدى الجمهور الوعي لتقييم سلوكهم الاجتماعي، موضحة أن الخطاب الديني يعد أحد الوسائل غير المباشرة في تدعيم ثقافة الاستهلاك من خلال تجنب نقد الممارسات الاجتماعية الاستفزازية أو عدم التركيز على الجوانب الإنسانية أو الأخلاقية.

يذكر أن هناك العديد من الإحصائيات حول العالم التي تكشف يوميًا نسبة إهدار الغذاء، بالأرقام المخيفة، وتقدر قيمة الغذاء المهدر على مستوى العالم بحوالي 400 مليار دولار سنويًا، وقد يصل إلى 600 مليار دولار، وتفيد الإحصائيات الدولية أن أكثر من 805 ملايين نسمة يذهبون إلى النوم يوميًا وهم جوعى.

ونشر موقع "صوت أميركا" تقريرًا، في شهر مايو/أيار الماضي، صنّف مصر في المرتبة الثانية للدول المهدرة للطعام، مؤكدًا أن المواطن المصري الواحد يهدر 73 كيلو غرامًا من الطعام سنويًا، مشيرًا إلى أن هذا النمط من السلوك الغريب يشكل نسبة كبيرة، خلال شهر رمضان المبارك، حيث تعد العائلات مآدب للإفطار يتم التخلص من بقاياها الكثيرة.

وكشف تقرير غرفة الصناعات الغذائية المصرية، أن معدلات استهلاك السلع الغذائية خلال شهر رمضان يرتفع بمعدل 70% عن باقي أشهر السنة، ويرتفع استهلاك منتجات اللحوم والدواجن بنسبة 50%.

وأوضح تقرير مركز المعلومات في مجلس الوزراء، أن الأسرة المصرية تنفق 200 مليار جنيها سنويًا على الطعام، يستأثر شهر رمضان وحده بما يعادل 30 مليار جنيهًا منها.