الحكومة الاشتراكية الإسبانية

تعرّضت الحكومة الاشتراكية الإسبانية الجديدة برئاسة بيدرو سانشيز، لانتكاسة شديدة الخميس، في البرلمان عندما امتنع حزب "بوديموس" والأحزاب الإقليمية الكتالونية عن التصويت في الجلسة الاستثنائية التي كانت مخصصة لمناقشة وإقرار الخطة المالية التي وضعتها الحكومة لموازنة العام المقبل، وإطار الإنفاق لاستيفاء الشروط التي وضعتها المفوضية الأوروبية للعجز المالي والدين العام.

وتُعدّ هذه الانتكاسة المبكرة، التي شكّلت مفاجأة من حيث توقيتها ومبرراتها، أوّل مؤشر على العقبات الكثيرة المتوقعة أمام سانشيز الذي وصل إلى رئاسة الحكومة مدعوما بأصوات الأحزاب التي كانت معارضة لحكومة راخوي، أكثر مِن اعتماده على حزبه الذي لا يتجاوز عدد مقاعده في البرلمان 24٪.

تأتي هذه الانتكاسة في أعقاب التطورات الأخيرة على الجبهة الكتالونية، التي أعادت الزخم إلى التيّار الانفصالي بعد العثرات التي أضعفته في الأشهر الأخيرة، والتحذيرات المباشرة التي وجّهتها الأحزاب الإقليمية إلى سانشيز بأن تأييدها له مشروط بإحراز تقدم ملموس على مسار الاعتراف بحق تقرير المصير وإعلان الجمهورية المستقلة.

وأحكم الرئيس السابق للحكومة الإقليمية في كاتالونيا، كارليس بوتشيمون، سيطرته على القوى الانفصالية المتشددة بعد أن نجح في إبعاد القيادات المعتدلة التي لا تحبّذ المضي في المواجهة المفتوحة مع مدريد، ومتابعة المسار الاستقلالي بشكل أحادي. وجاءت هذه الخطوة بعد القرار الذي صدر مؤخرا عن القضاء الألماني بتسليم بوتشيمون إلى مدريد، ليحاكم فقط بتهمة اختلاس الأموال العامة وليس بالتمرد، وهو ما دفع بالنيابة العامة الإسبانية إلى سحب مذكرة التوقيف الأوروبية التي صدرت بحقه، حيث أصبح بإمكانه التنقل بحرية خارج إسبانيا.

وتتوقع مدريد المزيد من التصعيد على الجبهة الانفصالية بعد العطلة الصيفية، وبخاصة أن التيّار المتشدد الذي يتزعّمه بوتشيمون قطع شوطا متقدما في تأسيس حركة انفصالية واسعة هي Crida Nacional (النداء الوطني)، على غرار الحركة التي أسسها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وأوصلته إلى رئاسة الحكومة، يعتزم الانطلاق منها في المرحلة المقبلة لمتابعة المسيرة الاستقلالية.

وتراقب أوساط الحكومة الإسبانية بقلق التطورات على جبهة كتالونيا، التي تتصدر أولوياتها لاعتبارات عديدة تبدأ ببقاء الحكومة وتنتهي بديمومة النظام السياسي الإسباني، لكنها تبدي ارتياحا حذرا إزاء الموقف الأوروبي والدولي الرافض للمطالب الانفصالية.

ويقول مصدر حكومي في مدريد إن "أوروبا أدركت أن الأزمة في كتالونيا ليست كما سعى الانفصاليون إلى تصويرها وتسويقها بنجاح في المرحلة الأولى، بأنّها ثورة شعب يتعرّض للقمع من نظام توتاليتاري، بل هي مواجهة سياسية بين ما لا يزيد على نصف سكان الإقليم وبقية المواطنين في كتالونيا وإسبانيا".

وفي ردّها على التغريدات التي صدرت منذ يومين عن رئيس الحكومة الإقليمية في كتالونيا، كيم تورّا، معلّقا على تصريحات لوزير الخارجية انتقد فيها "الشطط الانفصالي الانتحار"، قالت الناطقة بلسان الحكومة الإسبانية إن "كتالونيا، في مطلبها الانفصالي، لا تستوفي الشروط الملحوظة في المعاهدة الدولية للحقوق المدنية والسياسية لعام 1961، ولا قرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة بشأن الحق في تقرير المصير، ولا أحكام القانون الدولي التي تقتضي وجود شعب يتعرّض للقمع على يد دولة غير ديمقراطية وأن تتم عملية الانفصال بالتوافق بين الطرف المطالب بالاستقلال والدولة المعنية"، وفي أول تعليق له على الانتكاسة التي تعرضت لها الحكومة في البرلمان، حذّر سانشيز الأحزاب التي أيّدت حكومته بأنها إذا تمادت في معارضتها وتشددت في مواقفها البرلمانية، قد يقرر تقديم موعد الانتخابات العامة المقررة في ربيع العام 2021.